كان الكساد العظيم فترة أزمة اقتصادية كبيرة خلال ثلاثينيات القرن العشرين. حيث بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية. لكنها انتشرت بسرعة في معظم أنحاء العالم. خلال ذلك الوقت، كان الكثير من الناس عاطلين عن العمل. ومشردين وجائعين كذلك. وفي المدينة، كان الناس يقفون في طوابير طويلة في مطابخ الحساء من أجل الحصول على وجبة خفيفة. أما في الريف، فقد كافح المزارعون في الغرب الأوسط حيث حول الجفاف الشديد التربة إلى غبار. الأمر الذي تسبب في عواصف ترابية ضخمة. وكل ذلك بسبب الكساد العظيم.
في الواقع، كان الكساد العظيم أسوأ أزمة اقتصادية في التاريخ الحديث، واستمر من عام 1929 حتى بداية الحرب العالمية الثانية في عام 1939. كذلك، شملت أسباب الكساد العظيم تباطؤ الطلب الاستهلاكي وتزايد ديون المستهلكين بالإضافة إلى انخفاض الإنتاج الصناعي والتوسع السريع والمتهور لـ سوق الأسهم الأمريكية.
من جهة أخرى، عندما انهار سوق الأسهم في شهر أكتوبر من عام 1929، أثار ذلك الأمر أزمة في الاقتصاد الدولي. والتي ارتبطت بشكل أساسي بمعيار الذهب. تلا ذلك موجة من إفلاس البنوك في عام 1930. ومع زيادة عاصفة الغبار لعدد عمليات حجز المزارع، تجاوز معدل البطالة 20% بحلول عام 1933. كما حاول الرئيسان هربرت هوفر وفرانكلين د. روزفلت تحفيز الاقتصاد بمجموعة من الحوافز للتخلص من الكساد العظيم. بما في ذلك برامج الصفقة الجديدة لروزفلت. ولكن في النهاية استغرق الأمر زيادة إنتاج التصنيع في الحرب العالمية الثانية لإنهاء الكساد العظيم.
اقرأ أيضًا: الاستثمار بعائد شهري: دليلك الشامل للتعرف على المميزات والمخاطر والفرص المتاحة
جدول المحتوى
ما هو الكساد العظيم؟
في الحقيقة، كان الكساد العظيم عبارة عن ركود اقتصادي مدمر ومطول أعقب انهيار سوق الأسهم في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1929. كما أنه استمر حتى عام 1941، وهو نفس العام الذي دخلت فيه الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية الثانية. كذلك تميزت هذه الفترة بالحقيقة بالكثير من الانكماشات الاقتصادية. بما في ذلك انهيار سوق الأسهم في عام 1929. والذعر المصرفي الذي حدث كذلك بين عام 1930 وعام 1931. وتعريفة سموت – هاولي التي أدت إلى انهيار التجارة العالمية.
من جهة أخرى، فقد ساعدت أحداث وسياسات أخرى في إطالة أمد الكساد العظيم خلال ثلاثينيات القرن العشرين. وغالباً ما يستشهد خبراء الاقتصاد والمؤرخين بـ الكساد العظيم باعتباره الحدث الاقتصادي الأكثر أهمية. إن لم يكن الكساد العظسم هو الأكثر كارثية في القرن العشرين.
اقرأ المزيد: غسيل الأموال: مفهومه وتاريخه، مخاطره على الاقتصاد، وأهم الطرق الشائعة لتطبيقه
تاريخ الكساد العظيم
علاوة على ما سبق، كان الكساد العظيم تفككاً اقتصادياً شديداً على مستوى العالم بأكمله وليس فقط في الولايات المتحدة. إلا أنه تجسد فيها على شكل انهيار سوق الأوراق المالية في “الخميس الأسود”. وذلك بالضبط كان في تاريخ 24 أكتوبر عام 1929. كما كانت أسباب الكساد العظيم عديدة ومتنوعة. لكن تأثيره كان واضحاً في كافة أنحاء البلاد. وبحلول الوقت الذي تولى فيه روزفلت منصب الرئيس في تاريخ 4 مارس عام 1933، انهار النظام المصرفي. وكان ما يقارب من 25% من القوة العاملة عاطلة عن العمل كذلك. كما انخفضت الأسعار والإنتاجية إلى ثلث مستوياتها في عام 1929.
في الواقع، أدى انخفاض الأسعار وانخفاض الناتج إلى انخفاض في الدخل والأجور والإيجارات والأرباح في كافة أنحاء الاقتصاد. حيث تم إغلاق المصانع وخسر المزارع والمنازل بسبب الحجز. كما تم التخلي عن المطاحن والمناجم، وأصبح الناس جائعين. كذلك أدى انخفاض الدخول الناتج عن ذلك إلى مزيد من عدم قدرة الناس على الإنفاق أو الادخار للخروج من الأزمة. وبالتالي إدامة التباطؤ الاقتصادي في دورة لا نهاية لها على ما يبدو.
للمزيد من المقالات: السوق السوداء: كيف ينشأ هذا العالم الخفي ويؤثر على الاقتصادات الدولية الكبرى
ما الذي تسبب في الكساد العظيم؟
ما هي الأسباب الرئيسية للكساد العظيم؟ في الواقع، من بين الأسباب المقترحة لـ الكساد العظيم هي انهيار سوق الأوراق المالية الذي حدث في عام 1929. انهيار التجارة العالمية بسبب تعريفة سموت – هاولي كذلك، سياسات الحكومة، فشل البنوك والذعر أيضًا، وانهيار المعروض النقدي.
خلال عشرينيات القرن العشرين، توسع الاقتصاد الأمريكي بشكل سريع للغاية. وتضاعف إجمالي ثروة الأمة بأكثر من الضعف بين عام 1920 وعام 1929. وهي الفترة التي أطلق عليها “عشرينيات القرن العشرين الصاخبة”. كما كانت سوق الأوراق المالية، التي تتمركز في بورصة نيويورك في وول ستريت في مدينة نيويورك، مسرحاً للمضاربة المتهورة. حيث هدر الجميع من أباطرة المليونيرات إلى الطهاة وعمال النظافة مدخراتهم في الأسهم. ونتيجة ذلك، شهد سوق الأوراق المالية توسعاً سريعاً، وبلغ ذروته في أغسطس عام 1929.
بحلول ذلك الوقت، كان الإنتاج قد انخفض بالفعل وارتفعت معدلات البطالة بسبب الكسَاد الكبير، الأمر الذي جعل أسعار الأسهم أعلى بكثير من قيمتها الفعلية. بالإضافة إلى ذلك، كانت الأجور في ذلك الوقت منخفضة، وكانت ديون المستهلكين تتكاثر كذلك. كما كان القطاع الزراعي في الاقتصاد يعاني بسبب الجفاف وانخفاض أسعار المواد الغذائية. وكان لدى البنوك فائض من القروض الكبيرة التي لا يمكن تصفيتها. كما دخل الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود معتدل خلال صيف عام 1929. حيث تباطأ إنفاق المستهلكين وبدأت السلع غير المباعة في التراكم، الأمر الذي أدى بدوره بسبب الكساد العظيم إلى تباطؤ إنتاج المصانع. مع ذلك، استمرت أسعار الأسهم في الارتفاع. كما أنه بحلول خريف ذلك العام وصلت إلى مستويات فلكية لا يمكن تبريرها بالأرباح المستقبلية المتوقعة.
قد يهمك أيضًا: التجارة الإلكترونية: دليل شامل لتحقيق النجاح في الأسواق المالية والعالمية
انهيار سوق الأوراق المالية عام 1929
من جهة أخرى، فقد انخفضت سوق الأوراق المالية في الولايات المتحدة بنحو 50% وانخفضت أرباح الشركات بأكثر من 90% خلال فترة الكساد القصيرة المعروفة باسم الكساد المنسي. والتي استمرت من عام 1920 حتى عام 1921. كما تمتع الاقتصاد الأمريكي بنمو قوي خلال بقية العقد. واكتشف الجمهور الأمريكي كذلك سوق الأوراق المالية وانغمس فيها بحماس خلال فترة العشرينيات الصاخبة من القرن العشرين. بالإضافة إلى المستويات المرتفعة من التداول بالهامش من قبل المستثمرين في تغذية زيادة غير مسبوقة في أسعار الأصول.
لقد شهدت الفترة التي سبقت شهر أكتوبر من عام 1929، أي فترة الكساد العظيم، ارتفاع أسعار الأسهم إلى مضاعفات غير مسبوقة تجاوزت 19 ضعف أرباح الشركات بعد الضريبة. وإلى جانب ارتفاع مؤشر داو جونز الصناعي القياسي بنسبة 500% في غضون خمس سنوات فقط. تسبب هذا الأمر في نهاية المطاف في انهيار سوق الأسهم.
تابع معنا: السوق السعودي تداول: نشأته وتاريخه وأهم فرص الاستثمار في أكبر الأسواق السعودية
انفجار فقاعة بورصة نيويورك
في تاريخ 24 أكتوبر من عام 1929، انفجرت فقاعة بورصة نيويورك في الواقع. وهو اليوم الذي أصبح يعرف باسم الخميس الأسود. كما حدث ارتفاع قصيرة في يوم الجمعة 25 أكتوبر، وخلال جلسة نصف يومية في يوم السبت تاريخ 26 أكتوبر، ولكن الأسبوع التالي شهد الإثنين الأسود (في تاريخ 28 أكتوبر) والثلاثاء الأسود أيضاً (في تاريخ 29 أكتوبر) أي بداية فترة الكساد العظيم، وانخفض مؤشر داو جونز الصناعي بأكثر من 20% خلال هذين اليومين.
في نهاية المطاف، هبطت سوق الأسهم بنسبة وصلت إلى 90% من ذروتها في عام 1924، وانتشرت تموجات الانهيار عبر المحيط الأطلسي إلى أوروبا، الأمر الذي تسبب في أزمات مالية أخرى بسبب الكسَاد العظِيم مثل انهيار بنك بودن كريديت أنستالت، والذي كان يعتبر واحد من أهم البنك المتواجدة في النمسا، وقد ضربت الكارثة الاقتصادية القارتين بقوة في عام 1931.
اقرأ أيضًا: بورصة قطر: من تأسيسها إلى منصة إقليمية للاستثمار والتنمية المستدامة الاقتصادية
ما مدى ارتفاع معدل البطالة خلال الكساد العظيم؟
علاوة على ما سبق، وفي ذروة فترة الكساد العظيم في عام 1933، كان 24.9% من إجمالي القوة العاملة أو 12.830.000 شخص عاطلين عن العمل. وعلى الرغم من أن المزارعين لم يكونوا من الناحية الفنية ضمن العاطلين عن العمل، فإن الانخفاضات الحادة في أسعار السلع الزراعية أدت إلى خسارة المزارعين لأراضيهم ومنازلهم بسبب الحجز.
من جهة أخرى، فقد تسبب نزوح القوة العاملة الأمريكية والمجتمعات الزراعية في انقسام الأسر أو الهجرة من منازلها بحثاً عن عمل. كما ظهرت “مدن الصفيح” المبنية من صناديق التعبئة والسيارات المهجورة وغيرها من الخردة في كافة أنحاء البلاد. علاوة على ذلك، فقد هجر سكان منطقة السهول الكبرى، حيث اشتدت آثار الكساد العظيم بسبب الجفاف والعواصف الترابية، مزارعهم ببساطة وتوجهوا إلى كاليفورنيا على أمل العثور على الرزق.
كما ركبت عصابات من الشباب العاطلين عن العمل، الذين لم تعد أسرهم قادرة على إعالتهم، القطارات كمشردين بحثاً عن عمل. وكان المواطنون العاطلون عن العمل في أمريكا يتنقلون، ولكن لم يكن هناك مكان يمكنهم الذهاب إليه يقدم الإغاثة من الكساد العظيم.
اقرأ المزيد: جيروم باول: سيرته الذاتية وتصريحاته الأخيرة التي ستغير مسيرة أسواق المال العالمية
ردة فعل الأمريكيين على حادثة الكساد العظيم
في الحقيقة، فقد بدأ الكساد العظيم في عام 1929 عندما فقدت الأسهم في بورصة نيويورك للأوراق المالية 50% من قيمتها خلال فترة عشرة أسابيع. ومع استمرار هبوط الأسهم خلال أوائل ثلاثينيات القرن العشرين، فشلت الشركات وارتفعت معدلات البطالة بشكل كبير. وبحلول عام 1932، أصبح واحد من كل أربعة عمال عاطلاً عن العمل. وانهارت البنوك وضاعت مدخرات العمر، الأمر الذي ترك الكثير من الأمريكيين في حالة بؤس شديد بسبب الكساد العظيم.
ومع عدم وجود عمل أو مدخرات، فقد الآلاف من الأمريكيين منازلهم، وتجمع الفقراء في أكواخ من الورق المقوى في ما يسمى “هوفرفيلز” على أطراف المدن في كافة أنحاء البلاد. كذلك، تجول مئات الآلاف من العاطلين عن العمل في كافة أنحاء الدولة سيراً على الأقدام وفي عربات السكك الحديدية بحثاً بلا جدوى عن وظائف. ورغم أن القليلين ماتوا جوعاً، فقد أثر الجوع وسوء التغذية على الكثيرين في فترة الكساد العظيم.
للمزيد من المقالات: جيميناي: المساعد الذكي من Google لتسهيل المهام اليومية وتحسين الإنتاجية
نتائج حدوث الكساد العظيم
في بلد يتمتع بموارد وفيرة، وقوة عاملة ماهرة، وصناعات متطورة، كان من الصعب على الكثيرين استيعاب أسباب حدوث الكساد العظيم ولماذا لم يكن من الممكن حله بسرعة. في الواقع، لم تكن الأزمة مجرد ركود اقتصادي عابر، بل كانت انهيارًا شاملاً أصاب مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مما أدى إلى تغييرات جذرية في طريقة تعامل الحكومات مع الأزمات الاقتصادية.
تفاقم الفقر والمجاعة
على الرغم من أن الولايات المتحدة كانت تمتلك فوائض غذائية ضخمة، إلا أن ملايين الأشخاص عانوا من الجوع بسبب فقدان الوظائف وانخفاض الدخل بسبب الكساد العظيم. علاوة على ذلك، أدى انهيار الطلب إلى كساد المنتجات الزراعية. مما دفع المزارعين إلى إتلاف محاصيلهم في محاولة لرفع الأسعار. وهو أمر زاد من تفاقم الأزمة الإنسانية في زمن الكساد العظيم. نتيجة لذلك، ظهرت “مسيرات الجوع” في جميع أنحاء البلاد. حيث خرج آلاف العاطلين عن العمل في احتجاجات يطالبون فيها بالغذاء والمساعدات المالية.
تزايد البطالة وانخفاض الأجور
من جهة أخرى، تسبب الكساد العظيم في فقدان ملايين الوظائف، حيث أغلقت آلاف الشركات أبوابها بسبب انهيار الأسواق. بحلول عام 1932، وصلت معدلات البطالة في الولايات المتحدة نتيجة الكساد العظيم إلى مستويات غير مسبوقة. حيث فقد حوالي 25% من القوى العاملة وظائفهم. حتى من تمكنوا من الاحتفاظ بوظائفهم، واجهوا تخفيضات كبيرة في الأجور وساعات العمل. مما أدى إلى انخفاض القوة الشرائية وتفاقم الكساد العظيم.
انهيار النظام المصرفي
بالإضافة إلى ذلك، أدى الذعر المالي إلى انهيار آلاف البنوك التي لم تتمكن من مواجهة السحوبات الجماعية للمودعين. في الحقيقة، كانت أزمة البنوك واحدة من أخطر تبعات الكساد العظيم. حيث فقد الملايين مدخراتهم بين ليلة وضحاها. مما زاد من حالة عدم الثقة في النظام المالي. نتيجة لذلك، اضطرت الحكومات لاحقًا إلى تبني سياسات جديدة. مثل إنشاء نظام التأمين على الودائع، لحماية المودعين ومنع تكرار أزمة الكساد العظيم.
اضطرابات اجتماعية وتصاعد السخط الشعبي
علاوة على ما سبق، أدى تفاقم الأزمة إلى موجة من الاضطرابات الاجتماعية، حيث خرج الناس في مظاهرات غاضبة ضد الحكومة والمسؤولين الماليين، متهمين إياهم بالتسبب في الكساد العظيم أو التقاعس عن حله. كما أنه في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين، كانت أعمال الشغب والمسيرات الاحتجاجية شائعة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، حيث طالب المواطنون بتدخل حكومي أقوى لمساعدتهم على تجاوز الأزمة.
التغييرات السياسية وصعود سياسات الإصلاح
من ناحية أخرى، أدى الكساد العظيم إلى تغيير جذري في السياسات الحكومية. في عام 1932، وبعد تصاعد الغضب الشعبي، تم انتخاب فرانكلين روزفلت رئيسًا للولايات المتحدة. حيث أطلق برنامج “نيو ديل”. الذي تضمن إصلاحات اقتصادية واجتماعية كبرى. مثل توسيع الإنفاق الحكومي، وإنشاء برامج البنية التحتية. ووضع قوانين لحماية العمال والمستهلكين. هذه السياسات ساهمت في التخفيف من آثار أزمة الكساد العظيم. وأصبحت نموذجًا لكيفية تعامل الحكومات مع الأزمات الاقتصادية المستقبلية.
التأثير العالمي للكساد العظيم
لم تقتصر نتائج الكساد العظيم على الولايات المتحدة فحسب، بل امتدت إلى مختلف دول العالم. حيث شهدت أوروبا وأمريكا اللاتينية ودول أخرى انهيارات اقتصادية مماثلة. نتيجة لذلك، تغيرت السياسات الاقتصادية الدولية، وتم التركيز على الحاجة إلى تعاون دولي أقوى. خاصة في مواجهة الأزمات المالية.
في النهاية، كان الكساد العظيم أكثر من مجرد أزمة اقتصادية. لقد كان حدثًا مفصليًا أعاد تشكيل الاقتصاد العالمي والسياسات الاجتماعية والحكومية. من ارتفاع معدلات البطالة والجوع إلى تصاعد السخط الشعبي والتغيرات السياسية الكبرى، كانت آثار الكساد العظيم عميقة ولا تزال دروسه تشغل تفكير الاقتصاديين وصناع القرار حتى اليوم.
قد يهمك أيضًا: الألماس: أسراره، أنواعه، وقصته عبر العصور كرمز للجمال والفخامة
المظاهرات التي حدثت في فترة الكساد العظيم
في شهر يونيو/حزيران من عام 1932، سار ما يقارب من 20 ألفاً من قدامى المحاربين في الحرب العالمية الأولى من كافة أنحاء الدولة إلى مبنى الكونجرس الأمريكي. من أجل المطالبة بالدفع المبكر للمكافآت النقدية لخدمتهم العسكرية التي لم يكن من المقرر دفعها حتى عام 1945. كما أمضى المتظاهرون، الذين أطلق عليهم المنظمون “قوة الحملة الاستكشافية المكافأة” ولكنهم أصبحوا معروفين على نطاق واسع باسم جيش المكافأة، عدة أيام في واشنطن العاصمة، يضغطون من أجل قضيتهم.
لكن مشروع قانون الجونجرس لدفع المكافأة هزم. كما أنه في الثامن والعشرين من يوليو/تموز، قامت القوات والدبابات الأمريكية بقيادة الجنرال دوغلاس ماك آرثر بتفريق المتظاهرين وتدمير معسكراتهم المؤقتة في المدينة.
مع ذلك، لم ينخرط كافة المواطنين في الثورات الاجتماعية، فقد كان الكثير منهم محرومين للغاية أو مشغولين بالبقاء على قيد الحياة يوماً بعد يوم. كما أنهم لم يتمكنوا من المشاركة في مظاهر عامة من السخط بسبب الكساد العظيم. وبدلاً من ذلك، وضعوا أملهم وثقتهم في الحكومة الفيدرالية. وخاصة بعد انتخاب فرانكلين د. روزفلت رئيساً في عام 1932.
تابع معنا: شركة سامسونج: التاريخ، التطور، واستراتيجيات التسويق المبتكرة 2024
ما هي بعض السمات الرئيسية التي اتسمت بها أزمة الكساد العظيم؟
لقد شكلت أزمة الكساد العظيم في الحقيقة واحدة من ثلاث لحظات فاصلة عظيمة في التاريخ الأمريكي. وهي قابلة للمقارنة في نطاقها وتأثيراتها الدائمة بالتحولين العظيمين الآخرين في الحياة الامريكية: الثورة الأمريكية والحرب الأهلية. وفي كل من الحالات الثلاث، كانت حياة الناس قبل وبعد الكساد العظيم مختلفة جذرياً.
بالإضافة إلى ذلك، كان تأثير الكساد العظيم على الولايات المتحدة الأمريكية شديداً بشكل خاص أكثر من غيرها من الدول. وإن كان كارثة عالمية حقاً، فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 50% بين عامي 1929 وعام 1933. كما أفلس نحو خمسة آلاف بنك، أي ما يقارب من بنك واحد من كل خمسة بنوك. وفقد ثلاثة عشر مليون عامل، أو حوالي 25% من القوة العاملة، وظائفهم كذلك. خلال نفس الأعوام الأربعة. وخسرت الأسهم ما يقارب من 90% من قيمتها. بعد ذلك لم تتعافى إلى مستويات عام 1929 لأكثر من عقدين من الزمن، والملاحظة الأخيرة مهمة بشكل خاص. ولعل السمة الأكثر بروزاً وإيلاماً في أزمة الكساد العظيم هذه لم تكن مدى عمقه.، بل مدتها الطويلة.
في الواقع، ألحقت أزمة الكساد العظيم الاقتصادية بالبلاد أضراراً جسيمة لأكثر من عقد من الزمان. كما أدت إلى خفض معدلات الزواج والإنجاب بشكل ملحوظ. وإلى حد ما، كانت طفرة المواليد الأسطورية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية تعويضاً عن “نقص المواليد” في ثلاثينيات القرن العشرين. وبطبيعة الحال، تركت الأزمة الاقتصادية ندبة دائمة على عدد لا يحصى من الناجين من عصر الكساد العظيم.
اقرأ أيضًا: أنواع الشركات: دليل شامل للتعرف على تصنيف كل شركة ومميزات وعيوب كل منها
ما هي الآثار التي خلفتها أزمة الكساد العظيم والتي ما زالت باقية حتى اليوم؟
أولاً وقبل كل شيء، أظهرت أزمة الكساد الكبير هذه الدور الذي لا غنى عنه للحكومة. عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع أنواع الأزمات التي نواجهها الآن والتي واجهناها في ثلاثينيات القرن العشرين. ومن بين الآثار التي خلفتها أزمة الكساد العظيم بعض الابتكارات الدائمة التي جعلت حياة الأفراد والكثير من القطاعات الاقتصادية أقل خطورة. بما في ذلك معاشات التقاعد للمسنين وإغاثة البطالة في قانون الضمان الاجتماعي لعام 1935. والبرامج الفيدرالية كذلك، التي جعلت الإقراض العقاري وامتلاك المساكن أكثر سهولة. والإصلاحات مثل لجنة بورصة الأوراق المالية التي جلبت قدراً من النظام والعقلانية إلى أسواق الأسهم والائتمان.
في الواقع، لقد ألهم الكساد الكبير أيضاً مجموعة من الهيئات الدولية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية.رمثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (التي تحولت في نهاية المطاف إلى منظمة التجارة العالمية)، والتي جلبت قدراً ضئيلاً من الاستقرار إلى الأسواق الدولية. وبالتالي دعمت مستويات غير مسبوقة من التجارة والاستثمار العالميين.
اقرأ المزيد: اليورو: رحلة للتعرف على عملة الاتحاد الأوروبي وتأسيسها والتحديات التي تواجهها
الآثار المستمرة لحادثة الكساد العظيم
من جهة أخرى، فقد كان الكساد العظيم أكثر من مجرد انهيار اقتصادي؛ إنه فصل حاسم في تاريخ البشرية، ترك ندوبًا عميقة على المجتمعات والاقتصادات حول العالم. لقد كان الكساد العظيم بمثابة تذكير قوي بمدى هشاشة النظم الاقتصادية وضرورة وجود شبكات أمان قوية لحمايتها من الصدمات الكبيرة.
علاوة على ذلك، فقد أدى الكساد العظيم إلى تحولات جذرية في السياسات الاقتصادية والاجتماعية. حيث دفعت الحكومات إلى التدخل في الاقتصاد بشكل أكبر لتخفيف حدة المعاناة ولتحفيز النمو. لقد ولّدت أزمة الكساد العظيم نظريات اقتصادية جديدة. وأدت كذلك إلى ظهور برامج اجتماعية واسعة النطاق، مثل برنامج التأمين الاجتماعي في الولايات المتحدة.
تابع أكثر: اليوان الصيني: دليلك الشامل لفهم العملة الرسمية لجمهورية الصين الشعبية ومستقبلها
تأثير الكساد العظيم على القطاعات الثقافية والسياسية
في الواقع، لم يكن تأثير الكساد العظيم مقتصرًا على الجانب الاقتصادي فحسب. فقد أدى إلى تغييرات عميقة في الثقافة والسياسة. حيث زادت الشعبوية والتشكيك في المؤسسات التقليدية. كما أنه في بعض البلدان، ساهم الكساد العظيم في صعود الأنظمة الاستبدادية، مثل النازية في ألمانيا.
على الرغم من مرور عقود طويلة على الكساد العظيم، إلا أن آثاره لا تزال محسوسة حتى اليوم. كما أن الأزمة المالية العالمية عام 2008، على سبيل المثال، أظهرت أن الاقتصاد العالمي لا يزال عرضة لتكرار مثل هذه الأزمات. كما قد دفعت هذه الأزمة الاقتصاديين والسياسيين إلى إعادة تقييم الأدوات والسياسات التي يمكن استخدامها لمنع حدوث أزمات مماثلة لأزمة الكساد العظيم في المستقبل.
للمزيد من المقالات: الصكوك: تعرف على إحدى الأدوات المالية البارزة المثيرة للاهتمام في الأسواق المالية
أهم الدروس المستفادة من الكساد العظيم
في الحقيقة، إن الكساد العظيم لم يكن مجرد أزمة اقتصادية عابرة، بل كان محطة مفصلية أعادت تشكيل السياسات الاقتصادية والاجتماعية على مستوى العالم. من خلال دراسة تداعياته وإجراءات مواجهته، يمكن استخلاص العديد من الدروس المهمة من الكساد العظيم. التي لا تزال تؤثر في القرارات الاقتصادية حتى اليوم.
قد يهمك أيضًا: الليرة التركية: رحلة شاملة للتعرف على تاريخها ومميزاتها وأهم التحديات التي واجهتها
أهمية الرقابة على النظام المصرفي
في الحقيقة، فقد كشف الكساد العظيم عن ضعف الأنظمة المصرفية غير المنظمة وأدى إلى انهيار آلاف البنوك، مما تسبب في فقدان المودعين لمدخراتهم. لذلك، أصبح من الضروري فرض رقابة صارمة على البنوك وتنظيم عملها لضمان استقرار القطاع المالي. في الواقع، أدت هذه الأزمة، أزمة الكساد العظيم، إلى إنشاء قوانين جديدة، مثل قانون “جلاس-ستيغال” في الولايات المتحدة. الذي فرض فصلاً بين البنوك التجارية والاستثمارية. مما ساهم في تقليل المخاطر المالية مستقبلاً.
تابع معنا: سهم البنك الأهلي: نظرة شاملة على مميزات استثماره وسعره في السوق المالي السعودي
الحاجة إلى شبكات أمان اجتماعي
من جهة أخرى، أظهر الكساد العظيم مدى هشاشة الوضع المعيشي للطبقات العاملة عند وقوع الأزمات الاقتصادية. كما أدى ارتفاع معدلات البطالة والفقر إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية. مما دفع الحكومات إلى التفكير في إنشاء أنظمة ضمان اجتماعي توفر دعماً مالياً للعاطلين عن العمل وكبار السن. في الواقع، أسفرت هذه الأزمة عن تأسيس برامج مثل الضمان الاجتماعي في الولايات المتحدة. وهي سياسات لا تزال تلعب دورًا حيويًا في حماية الفئات الضعيفة في المجتمع.
اقرأ أيضًا: سهم عذيب: نظرة على أحد أهم أسهم قطاع الاتصالات في المملكة العربية السعودية
أهمية السياسات النقدية والمالية
بالإضافة إلى ما سبق، برهن الكساد العظيم على أن الاستجابة الفعالة للأزمات الاقتصادية تتطلب سياسات نقدية ومالية مرنة. على سبيل المثال، أدى التشدد النقدي في بداية الأزمة إلى تفاقم الانكماش الاقتصادي. مما أكد على أهمية تدخل البنوك المركزية لضخ السيولة عند الضرورة. كما أن زيادة الإنفاق الحكومي من خلال برامج التحفيز الاقتصادي. مثل مشروع “نيو ديل” في الولايات المتحدة، أثبتت فعاليتها في تحريك عجلة الاقتصاد. لذلك، أصبحت الحكومات اليوم أكثر وعياً بأهمية استخدام الأدوات النقدية والمالية بشكل متوازن لمواجهة التباطؤ الاقتصادي.
اقرأ المزيد: سهم بلتون: كل ما تحتاج معرفته عن إحدى أبرز الشركات المصرية في الشرق الأوسط
ضرورة التعاون الدولي
من ناحية أخرى، أظهر الكساد العظيم أن الأزمات الاقتصادية ليست محصورة في حدود دولة واحدة، بل تمتد آثارها إلى الاقتصاد العالمي بأسره. في ذلك الوقت، أدى غياب التعاون بين الدول إلى تفاقم الأزمة، حيث لجأت العديد من الحكومات إلى سياسات حمائية، مثل فرض التعريفات الجمركية المرتفعة، مما أدى إلى انخفاض التجارة العالمية وزيادة الانكماش. لذلك، أصبح التعاون الدولي ضرورة ملحة في مواجهة الأزمات الاقتصادية، كما رأينا في الاستجابات المنسقة للأزمات المالية الحديثة، مثل الأزمة المالية العالمية عام 2008.
للمزيد من المقالات: سهم جرير؛ أحد خيارات الاستثمار الأكثر شهرة في المملكة العربية السعودية
الخلاصة
في الواقع، ترك الكساد العظيم تأثيرًا عميقًا على فهمنا للاقتصاد الحديث، وأثبت أن الأزمات الاقتصادية تتطلب استجابات سريعة وفعالة تعتمد على التنظيم المصرفي، والحماية الاجتماعية، والسياسات الاقتصادية المتوازنة، والتعاون الدولي. هذه الدروس لا تزال تشكل حجر الأساس لصياغة السياسات الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين.
قد يهمك أيضًا: الصرافة: مفهومها وأساسيات ودور البنوك المركزية فيها وتأثير أسعار الصرف
الخاتمة
في النهاية، يمكن القول إن الكساد العظيم كان بمثابة نقطة تحول في التاريخ. لقد كشف عن نقاط الضعف في النظام الاقتصادي العالمي، وأدى إلى تغييرات جذرية في الطريقة التي نفكر بها في الاقتصاد والسياسة والمجتمع. ورغم كل المعاناة التي تسبب فيها، إلا أنه ترك لنا دروسًا قيمة حول أهمية الاستقرار المالي، والحاجة إلى شبكات أمان قوية، وأهمية التعاون الدولي لمواجهة التحديات الاقتصادية العالمية.
م. علا غسان ديب
تابع معنا: سهم الصادرات: أداء الشركة السعودية للصادرات الصناعية وكل ما تحتاج معرفته عنها
الأسئلة الشائعة
هناك العديد من الأسباب التي ساهمت في اندلاع الكساد العظيم، من أهمها:
انهيار سوق الأسهم: بدأ الكساد بانهيار سوق الأسهم الأمريكية في عام 1929، والذي أدى إلى فقدان الثقة في الاقتصاد.
الدين العام والخاص: تراكم الديون لدى الأفراد والشركات والحكومة، مما جعل الاقتصاد هشا.
السياسات الاقتصادية المتشددة: اتباع سياسات نقدية متشددة من قبل البنوك المركزية، مما أدى إلى تقلص الائتمان وتفاقم الأزمة.
التوزيع غير العادل للدخل: تركيز الثروة في أيدي قلة، مما أدى إلى ضعف الطلب الكلي.
التجارة الدولية المتراجعة: انخفاض التجارة الدولية بسبب الحواجز الجمركية والحروب التجارية.
ترك الكساد العظيم آثارًا مدمرة على الاقتصادات والمجتمعات، من أبرزها:
ارتفاع معدلات البطالة: وصلت معدلات البطالة إلى مستويات قياسية في العديد من البلدان.
انخفاض الإنتاج: توقف العديد من المصانع والشركات عن العمل، مما أدى إلى انخفاض حاد في الإنتاج.
انهيار الأسعار: انخفضت أسعار السلع والخدمات بشكل كبير، مما أدى إلى خسائر فادحة للمزارعين والشركات.
انتشار الفقر والجوع: عانى الملايين من الناس من الفقر والجوع والتشرد.
تغيرات سياسية واجتماعية: أدى الكساد إلى صعود الأحزاب المتطرفة والنازية في بعض البلدان.