العودة للخلف

لماذا انهار بنك وادي السيليكون؟

انهيار بنك سيليكون فالي

إفلاس بنك وادي السيليكون هو الأكبر منذ الأزمة المالية العالمية 2008 وثاني أكبر انهيار لمؤسسة مالية في تاريخ الاقتصاد الأمريكي.

لا بد أنك سمعت وقرأت الكثير عن هذا الخبر خلال الأيام الماضية. لكن هل سألت نفسك لماذا كل هذه الضجة الإعلامية ولماذا هي مهمة ؟

يكفي القول أن ما نعيشه اليوم من ثورة تكنولوجية, حاسوبك. هاتفك المحمول بين يديك, العديد من البرامج وأنظمة التشغيل ومنصات التواصل الاجتماعي قد أبصرت النور. بسبب وجود هذا البنك بالدرجة الأولى أو غيره من البنوك الاستثمارية. وما يميز هذا البنك أنه الأكبر في منطقة تُعد حاضنة انطلقت منها ومازالت تعتمد عليها كبرى الشركات التكنولوجية الأمريكية.

ما هو بنك وادي السيليكون وكيف بدأت قصة انهياره؟

تأسس البنك في ولاية كاليفورنيا عام 1983 في مدينة سانت كلارا. واتخذ مقره الرئيسي في المنطقة التي تعرف بوادي السيلكون (Silicon Valley) الحاضنة لكبرى شركات التكنولوجيا الأمريكية. مثل عملاق التواصل ميتا وغوغل و أمازون وغيرهما الكثير. والتي كانت المنطقة شاهدة على رؤية  تلك المشاريع للنور.

يمتلك البنك 29 مكتباً موزعة في الولايات المتحدة الأمريكية وفي الهند والمملكة المتحدة وفلسطين المحتلة والصين وهونغ كونغ وكندا وألمانيا وأيرلندا والسويد والدنمارك.

القاعدة الأولى في إدارة المخاطر (لا تضع جميع البيض في سلة واحدة)

يرتكز نشاط بنك (Silicon Valley Bank) على إقراض شركات التكنولوجيا وتقديم الخدمات المالية للشركات الناشئة (Startup) في مجال التكنولوجيا. من خلال رأس مال المخاطر (Venture Capital) أو ما يعرف برأس المال الجريء. وهو أحد اشكال التمويل للمشاريع الريادية في مراحلها الأولى.

الذي يميز تلك المشاريع في العادة هو التكنولوجيا الجديدة والثورية. أو خطة عمل في الشركات التي تعمل في مجال التقنيات المتقدمة مثل: التكنولوجيا الحيوية، تقنية المعلومات، البرمجيات, البلوك تشين وغيرها الكثير.

نما بنك سيليكون فالي ليصبح أكبر بنك مقرض ومقدم للخدمات المالية في وادي السيليكون. ويحتل المركز السادس عشر في الولايات المتحدة الأمريكية من حيث حجم الودائع.

تضاعفت ودائع البنك أربع مرات لأربع أعوام متتالية. من 44 مليار دولار أمريكي في العام 2017 إلى 189 مليار دولار في نهاية 2021. بينما نمت القروض التي قدمها في نفس تلك الفترة من 23 مليار دولار أمريكي إلى 66 مليار دولار فقط.

كيف تقوم البنوك بجني أرباحها؟

وبما أن نموذج عمل البنوك قائم على تحقيق عوائد من فروق الأسعار بين الودائع والقروض. يتبين أن البنك امتلك ما يقارب من 123 مليار دولار من الودائع غير المدرَة للأرباح. ومن أجل حل هذه المشكلة قام في نهاية العام 2021  بشراء سندات رهن عقاري بقيمة 80 مليار دولار.

كانت سندات الرهن العقاري تعطي أسعار فائدة ثابتة بلغت في ذلك الوقت 1.5%. بالمقابل كانت معدلات الفائدة السائدة في الولايات المتحدة الأمريكية أقل من 1 %. قبل أن يقوم الفدرالي الأمريكي بدورة تشديد السياسة النقدية ورفع معدلات الفوائد.

ما الذي أشعل فتيل الانهيار؟

أولاً: سياسة التشديد النقدي للفدرالي.

لم يستمر الوضع على ما هو عليه. قام الفدرالي الأمريكي بسياسة التشديد النقدي ورفع معدلات الفائدة في سبيل محاربة التضخم في البلاد. وبعدما أصبحت أسعار الفائدة تحقق عائداً أكبر من سندات الخزانة. قام المودعون بسحب أموالهم من البنك من أجل إعادة توجيهها إلى أذونات الخزانة الأمريكية ذات العائد الأعلى.

لتنخفض ودائعهم من 189مليار دولار في بداية 2022 إلى 173 مليار دولار في وقت سابق من إعلان الإفلاس. فاضطر البنك يوم الأربعاء 08-مارس -2023  إلى بيع ما قيمته 21 مليار دولار من محفظته للسندات  بخسارة 1.8 مليار دولار.

اقرأ المزيد: لماذا يقوم الفيدرالي الأمريكي برفع معدلات الفائدة؟

من جهة ثانية تسببت سياسة التشديد النقدي إلى ارتفاع تكلفة الخدمات والحلول المالية. التي يقدمها بنك (SVB) للشركات الناشئة وهي التي كانت تعاني مسبقاً من صعوبة في إيجاد حلول مالية لانطلاق مشاريعها. فأحجمت معظم المشاريع عن الاقتراض من البنوك.

بعدها أعلن (SVB) أنه يسعى للحصول على زيادة في رأس ماله في أقرب وقت ممكن لمواجهة طلبات السحب الكبيرة التي أجراها عملاؤه لودائعهم.

فاجأ هذا الإعلان المستثمرين الرئيسيين في البنك. وأعاد المخاوف والقلق حول قدرة تحمل الاقتصاد الأمريكي بشكل عام ومتانة القطاع المصرفي بشكل خاص. للارتفاع المضطرد في أسعار الفائدة الذي يؤدي إلى انخفاض قيمة السندات في محافظهم. حيث تستثمر معظم البنوك الكبيرة في سندات الخزانة بسبب انخفاض المخاطرة فيها.

ثانياً: انهيار بنك (Silvergate) المُقرض الرئيسي في قطاع العملات المشفرة.

سقوط سيلفرغيت هو مثال آخر على أن انهيار بورصة العملات المشفرة الرئيسية (FTX) مازال حاضراً ويستمر في التأثير على سوق العملات المشفرة, حيث أن منصة (FTX) كانت من أكبر عملاء بنك (Silvergate).

وضع كل من (Silvergate) و (SVB) أموالهما في سندات الخزانة الأمريكية التي فقدت قيمتها مع رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة. حيث اضطرت هذه البنوك لبيع هذه السندات بخسارة لدعم رأسمالها.

الأمر الذي أنذر بانتقال عدوى أزمة السيولة إلى القطاعات التكنلوجية التقليدية. وهو ما حصل بالفعل فدفع بالمزيد من العملاء إلى سحب ودائعهم, فتفاقم الأمر أكثر بالنسبة للبنك.

ثالثاً: نوبة من الذعر المصرفي.

أعقبت عملية البيع للسندات موجة ذعر مصرفية. فاندفع المودعون لسحب ودائعهم من البنك, حيث تمت مطالبته بأكثر من 42 مليار دولار. وبالطبع لا يملك البنك هذا المبلغ في الوقت الحالي وفي حال قام بعملية بيع أخرى لسندات الخزينة والرهن العقاري فسيتكبد المزيد من الخسائر.

حدوث الانهيار:

اجتمعت العوامل السابقة لتضع بنك وادي السيليكون في موقف لا يُحسد عليه, فقام بعملية بيع لأسهمه بما يقارب 2.2 مليار دولار في محاولة يائسة منه للحصول على السيولة اللازمة للإيفاء بالتزاماته, فظن المستثمرون أن البنك في حالة لا تبشر بالخير, مما دفعهم لبيع الأسهم التي يمتلكونها بشكل جماعي, الأمر الذي أدى إلى انخفاض في سعر السهم بمقدار 60% في جلسة تداول الخميس لينخفض سعر السهم  من 267 دولار تقريباً إلى 165 دولار تقريباً.

وفي يوم الجمعة اندفع المزيد من المودعين إلى البنك لسحب ودائعهم, والمستثمرين إلى بيع أسهمهم بغزارة, فانخفض سعر يهم البنك 62%  مرة أخرى في الجلسة قبل الافتتاحية ليوم الجمعة.

وذلك لأن الودائع المؤمنة من قبل هيئة التأمين الفدرالية تمثل فقط ما نسبته 3% من إجمالي الودائع الكلية, مما يعني أن 97% من المودعين سيضطرون إلى انتظار بيع أصول البنك للحصول على أموالهم أو ما تبقى منها.

مع العلم أن هيئة التأمين الفدرالية تلتزم بدفع مبلغ 250 ألف دولار أمريكي على الوديعة المؤمنة مهما بلغت قيمتها.

الأمر الذي تطلب تدخل السلطات الأمريكية من خلال صلاحيات ولاية كاليفورنيا إلى التدخل ووضعت نفسها في موقع المسؤولية عن أدارة البنك وإعادة أموال المستثمرين وقامت بإيقاف التداولات على أسهم البنك على أن يتم استئنافها يوم الإثنين.

كيف تدخلت وزارة الخزانة الأمريكية بعد انهيار بنك وادي السيليكون؟

لضمنان عدم تكرارا سيناريو الأزمة المالية العالية 2008 , تعالت الدعوات للحكومة الأمريكية من أجل التدخل لحماية النظام المصرفي من الانهيار, وقام أكثر من 300 من كبار المودعين في بنك وادي السيليكون من أصحاب الودائع غير المؤمنة بالتوقيع على عريضة تطالب الحكومة الأمريكية بالتحرك لحماية أموالهم من الإفلاس وأنهم سيستمرون بالعمل مع البنك تحت ظل إدارة جديدة له.

وفي وقت سابق من يوم الأحد تواصل الرئيس جو بايدن (Joe Biden) مع حاكم ولاية كاليفورنيا حول الفشل الذي تعرض له والجهود المبذولة لمعالجة الوضع.

وصرح البيت الأبيض دون الدخول في تفاصيل:” تحدث الرئيس والحاكم أيضًا عن بنك وادي السيليكون والجهود المبذولة لمعالجة الوضع”.

خطة الفيدرالي لإنقاذ الوضع بعد انهيار بنك وادي السيليكون

قدم المشرعون في مجلس الاحتياطي الفيدرالي خطة مالية لإنقاذ الوضع وتفادي الدخول في أزمة مالية عالمية, وهي خطوة حاسمة في وقف الذعر المنهجي المخيف الناجم عن انهيار المؤسسة المالية المعتمدة على قطاع التكنولوجيا.

تتضمن الخطة برنامج تمويل ميسر يوفر قروضًا تصل إلى عام واحد للمؤسسات المتضررة من إخفاقات البنوك.

سيقوم المسؤولون بوضع يدهم على كل من بنك  (SVB) و على بنك ساينتشر (Signature Bank) الذي تتشابه أحواله مع بنك وادي السيليكون، مما يضمن للمودعين الوصول الكامل إلى أموالهم يوم الاثنين كجزء من التحركات المتعددة التي وافق عليها المسؤولون خلال عطلة نهاية الأسبوع.

ويعد بنك ساينتشر (Signature Bank) أحد المقرضين الرئيسيين في قطاع العملات المشفرة, حيث بلغت قيمة أصوله حتى نهاية العام 2022 ما يقارب 110.4 مليار دولار أمريكي, مقابل ودائع بلغت ‏‏88.6 مليار دولار.‏

وقال المنظمون البارزون في بيان مشترك “اليوم نتخذ إجراءات حاسمة لحماية الاقتصاد الأمريكي من خلال تعزيز ثقة الجمهور في نظامنا المصرفي”.

في المملكة المتحدة , نجحت الحكومة البريطانية في احتواء  الاستحواذ على فرع بنك وادي السيليكون في بريطانيا, وصرح وزير المالية البريطاني جيريمي هانت (Jeremy Hunt):إن صفقة استحواذ HSBC على الذراع البريطانية لـ  سيليكون فالي بنك الأميركي قد تمت بالفعل.

وأضاف بالعفل أن الحكومة البريطانية ستهتم بقطاع التكنولوجيا في البلاد، مع العمل على تجنّب أو تقليل الأضرار التي قد تصدر من وحدة سيليكون فالي بنك في بريطانيا.

كما أعلنت السلطات التنظيمية في كندا عن سيطرتها بشكل مؤقت على فرع بنك وادي السيلكون في كندا الذي يتخذ من مدينة تورنتو مقراً له

هل ينجح النظام المصرفي في الولايات المتحدة الأمريكية في تخطي الأزمة؟

لا يمكن الحكم على مدى فعالية الإجراءات المتبعة في الحد من موجة الذعر التي أصابت القطاع المصرفي نهاية الأسبوع الماضي، لا سيما أن الأسواق تترقب هذه الأسبوع العديد من الأخبار والمؤشرات المهمة والمؤثرة.

لا نعلم كم من البنوك والمؤسسات المالية ستعلن إفلاسها، فالخوف من تكرار سيناريو عام 2008 مازال قائماً, لكن يمكن القول أن البشرية تعلمت من أخطائها السابقة, فالتحرك السريع وعدم التردد من قبل الحكومة الأمريكية للتدخل (وهو أمر مخالف للاقتصاد الرأسمالي الذي تتغنى به الولايات المتحدة الأمريكية) لم نشهده في العام 2008.

هل ترى أي فرصة للتداول؟

افتح حسابك الآن

تابعونا عبر السوشال ميديا

أحدث المقالات

  • سهم عذيب
  • شات جي بي تي
  • الريال السعودي
  • وادي السيليكون