يشير مصطلح الدورة الاقتصادية إلى التقلبات التي يتعرض لها الاقتصاد بين فترات النمو (التوسع) والانكماش (الركود)،يمكن لعوامل مثل الناتج المحلي وأسعار الفائدة ومعدل البطالة وإنفاق المستهلك أن تساعد في تحديد المرحلة التي يعيشها الاقتصاد من الدورة الاقتصادية.
يساهم فهم الدورة الاقتصادية المستثمرين والشركات في التعرف على وقت إجراء الاستثمارات ومتى يسحبون أموالهم، حيث أن لها تأثيرًا مباشرًا على كل شيء بدءًا من الأسهم والسندات، مروراً بالادخار و انتهاء بأرباح الشركات.
جدول المحتوى
كيف تتشكل الدورة الاقتصادية؟
الدورة الاقتصادية، والتي تُعرف أيضًا باسم دورة الأعمال، هي حركة دائرية للاقتصاد أثناء انتقاله من التوسع إلى الانكماش والعودة مرة أخرى.
يتميز التوسع الاقتصادي بالنمو. من ناحية أخرى، يُعتبر الانكماش مقدمة لمرحلة الركود، والتي تنطوي على انخفاض في النشاط الاقتصادي يستمر على مدى بضعة أشهر على الأقل (ربعين متتاليين في إجمالي الناتج المحلي).
تتميز الدورة الاقتصادية بأربعة مراحل، والتي يشار إليها أيضًا باسم دورة الأعمال.
هذه المراحل الأربع هي:
التوسع:
خلال فترة التوسع، يشهد الاقتصاد نموًا سريعًا نسبيًا، تتميز هذه المرحلة بارتفاع في إجمالي الناتج المحلي بسبب الزيادة في الأنشطة الاقتصادية في جميع القطاعات, ونظراً للحاجة لليد العاملة تقل معدلات البطالة بشكل ملحوظ , ولذلك ترتفع معدلات الإنفاق على السلع الاستهلاكية, بمعنى يزداد الطلب على المنتجات والخدمات الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع في الأسعار, فتتراكم الضغوط التضخمية على الاقتصاد.
ما يميز هذه المرحلة أيضاً هو معدلات الفائدة المنخفضة التي تقلل من تكاليف الاقتراض على الأفراد والشركات, مما يسمح لهم باقتراض المزيد من الأموال وضخها في الاقتصاد لزيادة المشاريع الإنتاجية والمحافظة على معدلات الاستهلاك التي تشكل الجزء الأكبر من إجمالي الناتج المحلي.
الذروة:
هي المرحلة التي يبلغ فيها معدل النمو إلى أقصى قيمة له خلال الدورة الاقتصادية، يتم الوصول إلى ذروة الدورة عندما يصل النمو إلى أقصى معدل له, وعلى الرغم من ذلك إلا أن قد يظهر بعد الاختلالات في بنية الاقتصاد, حيث ترتفع أسعار المنتجين والمستهلكين على حد سواء وهنا يضطر المنتجون إلى تسريح بعض القوى العاملة للحد من تكاليف الإنتاج فيبدأ معدل البطالة بالارتفاع فنتخفض القوة الشرائية للمستهلكين منذراً بالدخول إلى المرحلة التالية الانكماش.
اقرأ أيضاً: ما هو الركود التضخمي؟ وهل نحن مقبلون عليه؟
الانكماش:
في هذه المرحلة يدخل الاقتصاد في مرحلة تصحيح ويبدأ النمو الاقتصادي بالتباطؤ، وتنخفض معدلات التوظيف، وتعاني الأسواق من ركود في الأسعار بسبب ضعف القوة الشرائية للمستهلكين.
القاع:
يتم الوصول إلى قاع الدورة عندما يصل الاقتصاد إلى نقطة منخفضة، وعندها يبدأ النمو من جديد لينتقل إلى مرحلة التعافي، قد يشير البعض أحيانًا إلى مرحلة التعافي على أنها مرحلة خامسة.
يمكنك استخدام عدد من المقاييس الرئيسية لتحديد مكان الاقتصاد وإلى أين يتجه، على سبيل المثال، غالبًا ما يكون الاقتصاد في مرحلة التوسع عندما تبدأ البطالة في الانخفاض ويعمل المزيد من الأشخاص بشكل كامل. وبالمثل، يميل الناس إلى تحديد الأولويات وكبح إنفاقهم عندما ينكمش الاقتصاد. ذلك لأن المال والائتمان يصعب الحصول عليهما لأن المقرضين غالبًا ما يشددون متطلبات الإقراض الخاصة بهم.
كما هو مذكور أعلاه، من المهم للمستثمرين والشركات فهم كيفية عمل هذه الدورات والمخاطر التي تحملها لأنها يمكن أن يكون لها تأثير كبير على أداء الاستثمار. قد يجد المستثمرون أنه من المفيد تقليل تعرضهم لقطاعات ومركبات معينة عندما يبدأ الاقتصاد في الانكماش والعكس صحيح. قد يأخذ قادة الأعمال أيضًا إشارات من الدورة لتحديد متى وكيف سيستثمرون وما إذا كانوا سيوسعون شركاتهم.
كيف تتصرف الحكومات والأفراد في مراحل الدورة الاقتصادية؟
تدير الحكومات الدورة الاقتصادية من خلال أدوات السياسة المالية والنقدية التي تمتلكها.
ففي حالة الركود تقوم الحكومات باتباع سياسة مالية توسعية، حيث تقوم باتباع سياسة تسهيل ضريبي لتخفيف الأعباء على الشركات والأفراد كما تقوم بزيادة الإنفاق على مشاريع البنى التحتية, الأمر الذي ينجم عنه عجز في الميزانية مما يضطر الحكومات لسد العجز في هذه الميزانية بالتمويل بالعجز بمعنى توليد الأموال من خلال الاقتراض أو بيع السندات, بدلاً من فرض ضرائب جديدة.
بالمقابل تقوم الحكومات باتباع سياسة مالية انكماشية عن طريق فرض ضرائب على فائض الميزانية لتقليل إجمالي الإنفاق لمنع الاقتصاد من الإنهاك أثناء مرحلة التوسع.
بالنسبة لأدوات السياسة النقدية تُعد أسعار الفائدة أهم هذه الأدوات, حيث تقوم البنوك المركزية بالتحكم بتدفق الكتلة النقدية بين الأفراد والمؤسسات من خلالها.
اقرأ أيضاً: انهيار سوق الأسهم بين الماضي والحاضر
في مرحلة التوسع أو النمو ذكرنا سابقاً أن أسعار الفائدة تميل إلى الانخفاض فبالتالي تنخفض تكاليف الاقتراض على الشركات والأشخاص أي أن الحكومة تستخدم سياسة تيسير نقدي من شانها زيادة الكتلة المالية المُتداولة في الاقتصاد, لكن ما إن تبدأ الضغوط التضخمية بالتراكم تقوم البنوك المركزية برفع معدلات الفائدة وسحب تلك الكتلة النقدية من السوق من خلال تشديد السياسة النقدية, فتزداد تكاليف الاقتراض وتقوم الشركات بتسريح جزء من العمالة للحد من التكاليف التشغيلية, فتزداد البطالة وتقل القدرة الشرائية للمستهلكين مما يدفع المنتجين إلى خفض أسعارهم وتستمر هذه العملية حتى يتباطئ النمو الاقتصادي وعندها نصل إلى مرحلة الانكماش.
وعندما تصل الدورة إلى الانكماش، يمكن للبنك المركزي خفض أسعار الفائدة من جديد أو تنفيذ سياسة نقدية توسعية لتعزيز الإنفاق والاستثمار وإعادة السيولة إلى الأسواق لتبدأ مرحلة الانتعاش والنمو الاقتصادي من جديد.
ما هي مدة الدورة الاقتصادية؟
لا يوجد وقت محدد أو عمر معين لدورة اقتصادية كاملة أو مرحلة من مراحلها.
ما قبل الحرب العالمية الثانية عانت الدول من ركود عميق جداً تبعه انتعاش قوي وسريع، إلا أن التعافي من الدمار بعد الحرب العالمية الثانية أدى إلى نمو قوي على مدى عقود للعديد من الاقتصادات الكبرى, بالتالي انخفضت حدة تواتر الدورة الاقتصادية
فعندما يكون النمو قوياً – كما أثبتت الصين في العقود الأخيرة – من الصعب على التقلبات الدورية أن تدفع النمو الاقتصادي إلى ما دون الصفر ، ويدخل في ركود. وللسبب نفسه ، لم تشهد ألمانيا وإيطاليا أول ركود لهما بعد الحرب العالمية الثانية حتى منتصف الستينيات ، وبالتالي فقد تمتعت تلك الاقتصادات بتوسعات استمرت على مدى عقدين من الزمن.
شهدت فرنسا توسعًا لمدة 15 عاماً ، وشهدت المملكة المتحدة توسعًا لمدة 22 عامًا ، وتمتعت اليابان بتوسع لمدة 19 عامًا. شهدت كندا توسعًا لمدة 23 عامًا من أواخر الخمسينيات إلى أوائل الثمانينيات. حتى الولايات المتحدة تمتعت بأطول توسع لها حتى ذلك الوقت في تاريخها، امتد لما يقرب من تسع سنوات من أوائل عام 1961 إلى نهاية عام 1969.
في الوقت الحاضر إذا عدنا لأزمة الرهن العقاري في بداية الألفية الحالية, يمكن اعتبار بداية الدورة الاقتصادية في مطلع العام 2000 وقت ازدهار سوق العقارات في الولايات المتحدة الأمريكية.
اقرأ أيضاً: ما الذي يحرك الأسواق العالمية في الوقت الحالي ؟
تبع هذا التوسع والنمو انهيار كبير في أسواق الرهن العقاري بداية من ديسمبر 2007 ولغاية منصف العام 2009 حيث انخفضت الأسهم في البورصات بحوالي 20 % وهذا ما لم يحدث حتى جائحة كوفيد-19 حيث بلغ الركود ذروته في العام 2020 ونحن حاليا نعيش مرحلة يصفها الاقتصاديون بمرحلة التباطؤ في النمو, ولا يمكن اعتبار هذه التسمية صحيحة حتى نشاهد بيانات تدل على بداية انتعاش اقتصادي لتبدأ دورة اقتصادية جديدة.
لكن من وجهة نظر شخصية , لن تظهر لنا اقتصادات دول العالم وبشكل الخاص الدول المتقدمة إشارات تدل على الانتعاش الاقتصادي مالم نرى حلول جذرية لمشكلة التضخم وتباطؤ النمو العالمي في الوقت الحاضر أو ما يُعرف بالركود التضخمي, وهي حالة غير مرغوب فيها, وتمثل عقدة للاقتصاديين.
في أي مرحلة نحن اليوم؟
لا يمكن الجزم بأي مرحلة يعيشها الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي, فالمشهد الاقتصادي يتصف بالضبابية لدى أغلب المحللين الاقتصاديين, فبالإضافة للتضخم , يعاني فيه الاقتصاد العالمي من بطء في النمو واحتمال التعرض للانكماش يزداد يوماً بعد يوم
يُعزى سبب التضخم في الوقت الحالي إلى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء بسبب الحرب الروسية الأوكرانية, وكان قبلها يعانى الاقتصاد العالمي من مشكلة في سلاسل التوريد, بشكل خاص بعد إنهاء الإغلاق الاقتصادي الذي مارسته الدول في سياستها لمحاربة جائحة كورونا في العام الماضي.
تسعى الدول لمكافحة التضخم من خلال رفعها لمعدلات الفائدة الأمر الذي أضر باقتصادات الدول التي لم تلبث أن تتعافى من تبعات جائحة كورونا, تجلى الأمر بقيام العديد من عمالقة قطاع التكنولوجيا بإيقاف عمليات التوظيف الجديدة في النصف الأول من الهام 2022, ثم ما لبثت أن قامت بتسريح للموظفين من أجل خفض تكاليفها, سننتظر سوياً البيانات الاقتصادية للربع الأخير من العالم 2022, ومعها قد نتمكن من معرفة إلى أين يتوجه الاقتصاد العالمي.
شاهد أيضاً: برنامج| بالمختصر مع غياث | الدورة الاقتصادية وشبح الركود