العودة للخلف

عيد الميلاد من وجهة نظر اقتصادية

عيد-الميلاد-من-وجهة-نظر-اقتصادية

في عام 2014، شبه البابا فرنسيس التزام الناس بشراء الهدايا في عيد الميلاد بـ “عبوديّة المادّة”، وربما يمكننا أن نفهم سبب هذا التشبيه الصارخ من خلال قراءة بعض الإحصائيات التي تشير إلى أن 93% من الأمريكيين يتبادلون الهدايا في عيد الميلاد حتى بات الأمر التزاماً اجتماعياً وعُرفاً لا يمكن تجاوزه، والأمر المثير للدهشة أن 41% من الأمريكيين يقومون بأخذ قروض لشراء الهدايا والاحتفال بعيد الميلاد، ومن ثم يتوجب عليهم الوفاء بتلك الديون مع الفوائد طوال العام القادم.

وفي حين اعتاد الناس سابقاً على مشاهدة زينة الميلاد على واجهات المحلات والحملات التجارية الترويجية للبضائع المرتبطة بالعيد خلال شهر ديسمبر/كانون الأول فقط، فإننا الآن بدأنا نشاهد هذه الحملات اعتباراً من شهر نوفمبر أو حتى أكتوبر، حيث تعمد محلات التجزئة إلى وضع زينة الميلاد وتشغيل الموسيقى المرتبطة بالعيد والإعلان عن العروض التشجيعية.

مبيعات هائلة، فما تأثيرها على الاقتصاد؟

قُدّرت قيمة مبيعات التجزئة خلال فترات الأعياد في عام 2022 بحوالي 940 مليار دولار في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، ولا شكّ بأن هدايا عيد الميلاد لها حصة كبيرة من هذا الرقم، وبالنظر إلى الأرقام خلال العقدين الفائتين نلاحظ ارتفاعاً مستمراً في الأموال التي ينفقها الناس سنوياً، ويُقدّر أن الفرد الأمريكي يُنفق وسطياً حوالي 886 دولاراً على هدايا عيد الميلاد.

أما عن أشجار عيد الميلاد، فيُقدّر أن الأمريكيين يشترون سنوياً من 25 إلى 30 مليون شجرة حقيقية، وحوالي 10 ملايين شجرة صناعية خلال فترات أعياد الميلاد.

ولكن، وعلى الرغم من الحجم الهائل للمبيعات ونشاط الأسواق وصناعة الهدايا والزينة خلال أعياد الميلاد، إلا أن العديد من الخبراء ينظرون إلى الأمر ببعض السلبية ولا يجدون أن هذا النمط من الاستهلاك مفيد للاقتصاد كونه يراكم ديون الأفراد ويؤدي إلى استهلاك غير مفيد، إذ تُقدّر قيمة الهدايا التي تصل الناس ولا تعجبهم أو لا يرغبون بها بأكثر من 15 مليار دولار في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يعني رقماً هائلاً من الأموال التي أنفقت بلا فائدة، ولذلك قال 56% من المستهلكين الأمريكيين في استطلاع أجري عام 2021 أنهم يرغبون بالحصول على بطاقات هدايا بدلاً من الهدايا ذاتها حتى يتمكنوا من إنفاقها كما يرغبون.

ما تأثير عيد الميلاد على أسواق الأسهم؟ وما هو “رالي سانتا كلوز”؟

رالي سانتا كلوز هو مُصطلح يُطلق على ظاهرة ارتفاع أسعار الأسهم خلال الأيام القليلة الممتدة من اليوم التالي لعيد الميلاد حتى الأيام الأولى من العام الجديد، وتمت صياغة المصطلح للمرة الأولى في عام 1972 بواسطة المحلّل المالي يال هيرش الذي لاحظ ارتفاع الأسواق بشكلٍ غير اعتيادي خلال الأيام القليلة التالية لعيد الميلاد.

وفي دراسة أجريت بواسطة Stock Trader’s Almanac على مدى بيانات الأسواق لمدة 70 عاماً بين عامي 1950 و2020، لوحظ أن ظاهرة رالي سانتا كلوز حدثت 57 مرة من أصل 70، وارتفاع مؤشر اس اند بي وسطياً بمعدل 1.3%، وإحدى أعلى هذه الارتفاعات حدثت في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009، حيث ارتفع المؤشر ذاته بنسبة 7.36%.

يمكن تفسير ظاهرة رالي سانتا كلوز بمجموعة من الأسباب والافتراضات، منها حالة التفاؤل خلال فترات أعياد الميلاد، وتسوية الضرائب في نهاية العام، وانتعاش الأسواق، حتى أن بعض النظريات تفسّر الظاهرة بانشغال كبار المستثمرين بقضاء إجازاتهم مما يترك الأسواق لصالح المستثمرين الأفراد وتجار التجزئة الذين يكونون أكثر حماساً وتفاؤلاً، وبغض النظر عن الأسباب فإن هذه الظاهرة تبقى مُلاحظة في مختلف الأسواق العالمية وليس الأمريكية فحسب.

أما عن أهمية رالي سانتا كلوز، فتتمثل في جانبين، الأول هو إمكانية استفادة المُضاربين من هذه الارتفاعات في الأسواق، أما الجانب الآخر فهو أن بعض المُحللين والمستثمرين يعتبرون حدوث ظاهرة رالي سانتا كلوز مؤشراً إيجابياً لبقيّة العام، حيث تشير التقديرات أن مؤشر اس اند بي 500 بقي مرتفعاً طوال العام في 79% من الحالات التي حدثت فيها ظاهرة رالي سانتا كلوز، ومع ذلك يبقى هذا الموضوع جدلياً إلى حدّ ما ولا يمكن الاعتماد عليه في اتخاذ قرارات استثمارية مصيرية.

عيدٌ مختلفٌ هذا العام!

ولكن الاحتفال بعيد الميلاد هذا العام سيكون مختلفاً من ناحيتين، فهو العيد الأول بعد الخروج من أزمة كوفيد-19 التي لازمت العالم منذ عام 2019، كما أنه سيجري في ظل الحرب الروسية الأوكرانية والتضخّم العالمي وارتفاع الأسعار وأزمات الطاقة.

وفي بحث أجرته صحيفة الفاينانشيال تايمز، وجدت أن تكاليف الاحتفال بعيد الميلاد هذا العام ارتفعت بنسبة 14% عن العام السابق بفعل عوامل عديدة، منها التضخّم غير المسبوق وتأثيرات وباء كوفيد المستمرة حتى الآن على سلاسل الإمداد العالمية والحرب الروسية الأوكرانية والطقس شديد البرودة هذا العام في الولايات المتحدة الأمريكية.

إذاً، لا تقتصر أهمية أعياد الميلاد على الجانب الديني والثقافي فحسب، بل بات موسماً اقتصادياً وتجارياً بامتياز يحرص تجار التجزئة على استغلاله بالشكل الأمثل لتحقيق أعلى نسبة مبيعات، وفي حين ينظر البعض لموسم أعياد الميلاد باعتباره محفزّاً اقتصادياً هاماً يساهم في تنشيط العديد من الصناعات وتقليل معدّلات البطالة، وصولاً إلى التأثير على أسواق الأسهم، فإن البعض الآخر يعتبرون هذا النمط من الاستهلاك مبالغٌ فيه ويؤدي إلى تراكم الديون والأعباء المادية بلا طائل.

هل ترى أي فرصة للتداول؟

افتح حسابك الآن

تابعونا عبر السوشال ميديا

أحدث المقالات

  • الاقتصاد-الجزئي
  • سهم عذيب
  • شات جي بي تي
  • الريال السعودي