العودة للخلف

لماذا وصلت الدين العام الأمريكي إلى أرقام قياسية؟

لماذا وصلت ديون الولايات المتحدة الأمريكية إلى أرقام قياسية؟

تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصاد الأقوى في العالم، ومع ذلك وصل الدين العام الأمريكي هذا العام إلى مستوياتٍ قياسية متجاوزاً 31 تريليون دولار.

على الرغم من أن الدين العام الأمريكي رافق الولايات المتحدة الأمريكية منذ تأسيسها وحتى اليوم، وبات جزءاً لا يتجزأ من الصورة العامة للاقتصاد الأمريكي، إلا أنه وصل مؤخراً إلى أرقام قياسية وغير مسبوقة، فآخر الأرقام تُشير إلى وصول الدين إلى أكثر من 31 تريليون و390 مليار دولار أمريكي، وإذا ما قسمنا هذا الرقم على تعداد سُكان الولايات المتحدة الأمريكية، فهذا يعني أن حصّة الفرد تُعادل حوالي 94 دولار أمريكي. 

ما هو الدين العام الأمريكي؟ ومن أين تستدين الحكومة الأمريكية؟

يُعرف الدين العام الأمريكي، أو الدين الوطني National Debt، بأنه مجموع الأموال التي قامت الحكومة الفيدرالية الأمريكية باستدانتها لتغطية عجز الموازنة الأمريكية عبر السنوات السابقة، أي أنه المجموع التراكمي لعجز الموازنات المالية الأمريكية الذي تمّت تغطيته من خلال الاستدانة.

تستدين الحكومة الفيدرالية الأمريكية بطريقتين، الطريقة الأولى هي الاستدانة من العامّة أو الجمهور، ويتم ذلك من خلال طرح الأوراق المالية القابلة للتسويق (marketable securities)، مثل سندات الخزينة وسندات الأذون وغيرها من الأوراق المالية بفوائد محددّة، وبيعها للمستثمرين من خارج الحكومة الفيدرالية، وهؤلاء المستثمرين إما أن يكونوا أفراداً أو مؤسسات أمريكية ترغب باستثمار أموالها أو حكومات أجنبية لديها فائض في موازنتها، وتمثل هذه الديون الجزء الأكبر من الدين العام الأمريكي، أما الطريقة الثانية للاستدانة فهي عبر ديون الحسابات الأمريكية، أو ديون السندات غير القابلة للتسويق، ويمكن تبسيط هذه الديون بالقول بأنها ديون الحكومة الفيدرالية من حسابات حكومية أخرى، مثل الديون من صندوق ائتمان الضمان الاجتماعي الأمريكي.

لماذا تستدين الولايات المتحدة الأمريكية؟ وما أسباب عجز الموازنة؟

الدين العام الأمريكي هو ببساطة شديدة النتيجة الطبيعية لعجز الموازنة حين تصبح النفقات أعلى من الإيرادات، حيث تمتلك الحكومة الفيدرالية الأمريكية في هذه الحالة ثلاثة خيارات لتغطية العجز، وهي إما تقليل الإنفاق أو زيادة الضرائب أو الاستدانة، ويبدو أن الخيار الأخير لطالما كان الخيار الأسهل أمام الحكومة الأمريكية، وهو ما عكفت على القيام به منذ تأسيسها، نتيجة عدم رغبتها أو قدرتها باللجوء إلى الخيارين الأول والثاني لأسباب عديدة.

تاريخياً، عانت الولايات المتحدة الأمريكية من عجز الموازنة نتيجة أحداث وطنية أو عالمية كُبرى، مثل الحرب العالمية الثانية أو الحرب الأهلية أو الكساد العظيم، أما حالياً فتُعاني الولايات المتحدة من العجز لأسباب مختلفة، مثل زيادة نسبة المسنين وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية وعجز النظام الضريبي بالإضافة إلى تبعات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع مستويات التضخم.

يعزو الكثير من الخبراء زيادة الدين العام الأمريكي بالتحديد إلى زيادة نسبة المسنين بشكلٍ كبير، حيث يُقدّر أن 10,000 شخص أمريكي يتجاوزون سن 65 في كل يوم، وأن تعداد المسنين فوق 65 سنة يُقدّر بحوالي 56 مليون في عام 2020، وسيرتفع إلى 73 مليون في عام 2023، وصولاً إلى أكثر من 94 مليون في عام 2050.

ترجع هذه الزيادة الكبيرة في تعداد المسنين إلى ما يُعرف بـ جيل طفرة المواليد أو “Baby-boom generation”، وهي الفترة التي ازداد فيها تعداد المواليد الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي 1946 و1964، حيث يصل هؤلاء المواليد الجدد في ذلك الوقت إلى سن التقاعد اليوم، وباتوا بحاجة للرعاية الصحية التي تُعتبر الأكثر كلفة عالمياً في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يُقدر الإنفاق على الرعاية الصحيّة لكل فرد بأكثر من 12 ألف دولار في أمريكا، وهو أكثر من ضعف المتوسط العالمي.

الدين العام الأمريكي بالأرقام: هل هو دليل ضعف اقتصادي؟

في الحقيقة، لا يُعتبر الدين العام الأمريكي مشكلة بحدّ ذاته ما دام مضبوطاً ومسيطراً عليه ضمن حدود معيّنة، بل ربما يكون مفيداً وصحياً في بعض الحالات، حيث تستدين الحكومة لتمويل مشاريع قومية تعود بالنفع على المواطنين ومن ثم يمكنها أن تقوم بتسديد هذه الديون مستفيدة من فائض الموازنة العامة، والواقع أن قيمة الدين كمبلغ ليس هو المهم، وحتى يُمكن قياس الدين العام ومعرفة ما إذا كان ضمن الحدود المقبولة أم لا، تم ربطه كنسبة مئوية من مستوى الناتج المحلي الإجمالي

عبر التاريخ، لم يتجاوز الدين العام الأمريكي مستويات الناتج المحلي الإجمالي إلا في عامي 1945 و1946، أي في سنوات الحرب العالمية الثانية، حيث تجاوزت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي مستوى 100% لتنخفض مجدداً إلى أدنى من 50% منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى العام 2008، حين عاودت نسبة الدين بالارتفاع بشكلٍ سريع حتى تجاوزت 125% في العام 2022، وعلى الرغم من أن الكونغرس يضع سقفاً للدين العام الأمريكي إلا أنه يقوم برفعه من حينٍ لآخر، وبالفعل تم رفع سقف الدين 78 مرة منذ العام 1960 وحتى اليوم.

وإذا ما أخذنا مقياس الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست الدولة الأولى على قائمة الدول الأكثر ديوناً، بل تأتي اليابان في المرتبة الأولى بنسبة 237% على الرغم من كون الاقتصاد الياباني يُعتبر أحد أقوى اقتصادات العالم، والمُثير للاهتمام أيضاً أن اليابان هي أكثر الدول الدائنة للولايات للمتحدة الأمريكية تليها الصين، وهذا يوضح أن مفهوم الدين العام للدولة لا يجب النظر إليه كدليل على ضعف اقتصاد هذه الدولة، بل يجب النظر للموضوع من جوانب عديدة.

أخيراً …

لا تقتصر مشكلة الدين العام الأمريكي على مبلغ الدين بحدّ ذاته، ولكن أيضاً على الفوائد التي تترتب على هذا الدين، فكلّما كان الدين أكبر كلما كانت الفوائد أكبر، ويُقدّر أن الولايات المتحدة الأمريكية تنفق يومياً أكثر من 965 مليون دولار على الفوائد، ومن المتوقع أن تتضاعف الفوائد على الدين العام الأمريكي 3 أضعاف في غضون 10 سنوات، وهذا يرسم مستقبلا قاتماً للاقتصاد الأمريكي الذي يغرق شيئاً فشيئاً في قضية الديون والفوائد ويُضعف قدرة الولايات المتحدة على التخطيط لمستقبل الاقتصاد الأمريكي والتعامل مع العديد من التحديّات مثل تغيّر المناخ وتحسين نظام الرعاية الصحية، وهذا كله يُشعر المواطن الأمريكي بقلق حقيقي ويدفعه للمُطالبة بوضع قضية معالجة الدين العام على رأس أولويات الرئيس والكونغرس.

اقرأ ايضاً: الزعامة التكنولوجيّة…فتنة الحرب القادمة!

هل ترى أي فرصة للتداول؟

افتح حسابك الآن

تابعونا عبر السوشال ميديا

أحدث المقالات

  • سهم عذيب
  • شات جي بي تي
  • الريال السعودي