العودة للخلف

ما طبيعة العلاقة بين أسعار الدولار والذهب؟

ما طبيعة العلاقة بين أسعار الدولار والذهب؟

الدولار والذهب ارتبطا منذ عشرات السنين، سواءً بشكل رسمي ومباشر، أو بشكل غير مباشر، فما طبيعة علاقة الذهب بالدولار اليوم، وما تفسيرها؟

منذ آلاف السنين، حظي معدن الذهب النادر واللمّاع بمكانة رمزية وماديّة رفيعة وخاصة بصفته سلعة نادرة متعددة الاستخدامات، إذ يتميز الذهب بطبيعة مزدوجة، فهو سلعة تُباع وتُشترى لأغراض متعددة مثل الزينة والصناعات التكنولوجية اليوم، كما أنه وسيط للتبادل وشكل من أشكال العُملة المُعترف بها في كلّ مكان.

إلا أن علاقة بينهما تبدو علاقة خاصة ومثيرة للاهتمام، وتوصف هذه العلاقة بأنها علاقة عكسية، فحينما يرتفع سعر الدولار ينخفض سعر الذهب، والعكس صحيح أيضاً، فما سرّ هذه العلاقة؟

قاعدة الذهب: كيف بدأت الحكاية؟

في عام 1821، تبنت المملكة المتحدة قاعدة أُطلق عليها اسم “قاعدة الذهب” أو “غطاء الذهب”، وتنص هذه القاعدة _باختصار_ على أن قيمة العملة الورقية الخاصة بدولة ما تتحدد بناء على ما تمتلكه من ذهب، بعد تحويل عملة هذه الدولة إلى ذهب اعتماداً على أسعار محددة لبيع وشراء الذهب.

بحلول القرن العشرين، سارت معظم الدول الغربية على نهج المملكة المتحدة واعتمدت قاعدة الذهب، وشيئاً فشيئاً تراجعت أهمية الذهب كعملة ونظام نقدي، وسادت الثقة بالعملات الحكومية الورقية باعتبارها انعكاساً لما تمتلكه كل دولة من مخزون ذهبي، وبلغت قاعدة الذهب أوجها حتى مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى، ولكن هذه القاعدة بدأت بالتراجع مع نشوب الحربين العالميتين الأولى والثانية واحتياج الدول إلى تمويل حروبها، مما دفعها إلى طباعة كميات كبيرة من النقود غير مدعومة بمخزون حقيقي من الذهب.

اقرأ أيضاً: إن كان الذهب الملاذ الآمن في الأزمات فلماذا يستمر بالهبوط؟

في عام 1944 تم إقرار نظام بريتون وودز، والذي انتقلت بموجبه الدول إلى التعامل بالدولار الأمريكي مع ضمان قدرتها على تحويله إلى الذهب بشكلٍ مباشر في أي وقت بسعر ثابت هو 35 دولاراً للأونصة، وازداد الطلب على الدولار مقابل الذهب بشكلٍ كبير، حتى باتت الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك 75% من مخزون الذهب العالمي، ولكن، وفي عام 1971 أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، تحت وطأة حرب فيتنام، عن إلغاء ربط الدولار بالذهب وانهار نظام بريتون  وودز، وبذلك لم تعد الدول قادرة على استبدال الدولار بذهبها الموجود في الولايات المتحدة الأمريكية، وأُطلق على هذه الحادثة اسم “صدمة نيكسون”.

كيف يتحدد سعر الذهب الآن؟

لم يعد الذهب اليوم مرتبطاً بالدولار أو العملات الإلزامية الأخرى كما كان عليه الحال سابقاً، بل أصبح سلعة كغيرها من السلع تخضع لمعايير العرض والطلب، وبشكلٍ أساسي يتحدد سعر الذهب اليوم بخمسة عوامل رئيسية هي:

  • حجم الإنتاج، فكلما ازداد إنتاج الذهب ينخفض سعره، والعكس بالعكس، ومع ذلك يبقى إنتاج الذهب محدوداً إلى حدٍ ما ولا يشهد زيادة أو تقلبات كبيرة، ويعتقد الخبراء أن السبب وراء ذلك هو أنه قم تم بالفعل استخراج الذهب السهل، أما الذهب الموجود حالياً فهو صعب الاستخراج ومكلف، وتُقدّر مجمل كمية الذهب التي تمّ استخراجها عبر التاريخ بـ 187.000 طنّ فقط، وهو رقم ضئيل إذا ما قورن بغيره من المعادن.
  • صناعة الحلي والإلكترونيات، حيث وصل الطلب على الذهب لأغراض الزينة في عام 2019 إلى 4400 طن، وهو ما يعادل نصف الطلب على الذهب، كما تبلغ نسبة الذهب المطلوب لأغراض الصناعة التكنولوجية والأجهزة الطبية حوالي 7.5% من مجمل الطلب العالمي على الذهب.
  • احتياطيات البنوك المركزية، إذ تحرص العديد من الدول على شراء الذهب وتخزينه كاحتياطيات في بنوكها المركزية، ولا سيما بعد تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن قاعدة الذهب في عام 1971 كما أشرنا في البداية، فعلى سبيل المثال اشترت دول العالم مجتمعة حوالي 650 طناً من الذهب في عام 2019.
  • حفظ الثروة، ففي أوقات الأزمات والاضطرابات الاقتصادية يتحول الناس إلى شراء الذهب لحفظ ثروتهم باعتباره الملاذ الآمن في مواجهة التضخم وتقلّبات الأسواق.
  • سعر الدولار، وهو ما سنفصل فيه لاحقاً.

ما طبيعة العلاقة بينهما؟

دوماً ما يُنظر للذهب باعتباره الملاذ الآمن وأداة التحوّط من المخاطر، ولذلك فإن العلاقة بينهما عادة ما تكون علاقة عكسية، على الرغم من عدم وجود قاعدة رسمية ومُعلنة تفرض هذه العلاقة، وهذا يعني أن سعر الذهب ينخفض عادة مع ارتفاع سعر الدولار وزيادة قوّته وموثوقيته لدى العالم، في حين يرتفع سعر الذهب مع تراجع الدولار وارتفاع مستويات التضخّم، حيث يلجأ الناس إلى شراء الذهب ويتخلون عن الدولار الذي تنخفض قيمته بفعل التضّخم.

اقرأ أيضاً: الاستثمار و الحرية المالية

ولتبسيط الأمر، تخيل أنك تحتفظ بمبلغ 10,000 دولار، يمُكنك أن تشتري بواسطتها سيارة فارهة أو 5 أونصات من الذهب، ولكن انخفاض قيمة الدولار، بغض النظر عن الأسباب، ستجعل قيمة السيارة السابقة 15000 دولار مثلاً، ولكن سعرها سيبقى مُعادلاً لـ 5 أونصات ذهبية، كون سعر الذهب سيرتفع مع انخفاض قيمة الدولار، ولذلك يُنظر للذهب على أنه الملاذ الآمن في مواجهة التضخّم.

تُفسّر هذه العلاقة بطريقة أخرى، فارتفاع قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى يجعل كلفة شراء الذهب أعلى بواسطة تلك العملات، كون الذهب يُسعّر بالدولار، وهذا يعني أن الطلب على الذهب سينخفض مما يؤدي بالتالي إلى انخفاض سعره وفق مبدأ العرض والطلب، والعكس صحيح أيضاً، فحينما تنخفض قيمة الدولار تنخفض قيمة الذهب بالعملات الأخرى ويزداد الطلب عليه مما يؤدي إلى ارتفاع سعره.

علاقة غير حتمية

على الرغم من العلاقة العكسية المُعتادة بينهما، إلا أنها ليست علاقة حتمية، فمن الوارد أن ترتفع أسعارهما في آنٍ معاً، وهذا ما قد يحصل عند نشوب أزمة كبرى في دول لا تشمل الولايات المتحدة الأمريكية، مما يدفع الناس والمستثمرين للجوء إلى الملاذين الآمنين معاً.

إذاً، تبدو العلاقة بينهما علاقة عكسية، فارتفاع قيمة الدولار يترافق مع انخفاض قيمة الذهب، والعكس صحيح، وهو الأمر الذي شهدناه بوضوح خلال السنوات الأخيرة الماضية بسبب جائحة كورونا سابقاً والحرب الروسية الأوكرانية حالياً، ففي منتصف العام 2020 ارتفع سعر الذهب إلى مستويات قياسية وصلت إلى أكثر من 2000 دولار للأونصة مع تراجع المؤشر العريض للدولار إلى حدود 118، في حين شهدنا مؤخراً أسعاراً منخفضة للغاية للذهب وصلت إلى 1644 دولاراً للأونصة بالتزامن مع ارتفاع مؤشر الدولار إلى 127، وهو ما يؤكد طبيعة العلاقة العكسية التي تحدثنا عنها في مقالنا.

هل ترى أي فرصة للتداول؟

افتح حسابك الآن

تابعونا عبر السوشال ميديا

أحدث المقالات

  • قائمة المركز المالي
  • سهم شمس
  • سهم-الإنماء
  • سهم مرافق