العودة للخلف

حظر الواردات الروسية وأزمة الطاقة القادمة لأوروبا

حظر الواردات الروسية وأزمة الطاقة القادمة لأوروبا

القارة العجوز في مواجهة الدب الروسي!

تم فرض عقوبات متنوعة على روسيا وحظر الواردات الروسية من قبل الاتحاد الأوروبي، إلى جانب بعض الدول الغربية الأخرى مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، من حظر السفر إلى تجميد الحسابات البنكية والأصول وغيرها… وبالتأكيد كان لهذه العقوبات أثر على الدب الروسي وربما جُزَّ القليل من فروه السميك، لكن الشتاء على الأبواب، فهل بإمكان القارة العجوز التأهب له مُجردةً من عنصر إمداد قوي كانت تعتمد عليه، وهو الغاز الروسي!

أعلن الاتحاد الأوروبي الآن أنه يخطط لخفض واردات الغاز الروسي بمقدار الثلثين ووضح قادة الاتحاد الأوروبي إنهم سيمنعون معظم واردات النفط الروسية بحلول نهاية عام 2022 ردًا على الحرب في أوكرانيا، إذ يهدفون لتقليل الاعتماد بشكل كبير على الغاز الطبيعي الروسي، فمنذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، فرضت الدول الغربية عقوبات على النفط والغاز الروسي، مما أدى إلى تحذيرات انتقامية شديدة اللهجة من موسكو.

محاولة إقصاء الغاز الروسي عن المعركة:

إن الغاز الطبيعي الروسي ليس فقط أهم أصول الطاقة الروسية بل إنه ورقة اللعب الأكثر أهمية في الصراع الجيوسياسي الذي أعقب غزو أوكرانيا. فرغم اتفاق الاتحاد الأوروبي مع حلفاءه الغربيين على حظر الفحم الروسي ووقفٍ بعيد المدى لتسليم النفط، لم يكن من المستحب مناقشة حظر الغاز، رغم الدعوات العديدة لتنفيذ حظر الواردات الروسية الذي رفضه الاتحاد الأوروبي رفضاً واضحاً في البداية.

يقول العديد من الدول الأعضاء، بما في ذلك دول ثقيلة الوزن مثل ألمانيا وإيطاليا، إنهم يعتمدون بشكل كبير على الغاز الروسي للتعامل مع قرار التوقف المفاجئ للإمدادات، ويأخذون بعين الاعتبار أن استبدال خط الأنابيب الروسي على المدى القصير أصعب بكثير من إيجاد مصادر بديلة للفحم والنفط، وهذا ما سيؤدي لدق ناقوس الخطر بحال انهيار تجارة الغاز مع روسيا والتي سيكون لها عواقب وخيمة على الاقتصاد الأوروبي.

النأي بالنفس أم النأي بالغاز الروسي!

رغم الدعوات المتكررة من الحلفاء الغربيين لتجفيف أهم مصادر الدخل لموسكو، أصرت كل من روسيا وعملائها الأوروبيون الذين يستوردون منها الغاز على أن تجارة الغاز لن تتأثر بأي عقوبات أو إجراءات أخرى متعلقة بالحرب، لكن طلب روسيا بدفع قيمة شحنات الغاز بالروبل الروسي أثار قلق المستوردين الغربيين، حيث ظهرت الحكومة الروسية بمظهر المستعد لاقتناص الفرص باستخدام الغاز الطبيعي كأداة للتأثير على صناع السياسة في الاتحاد الأوروبي. لكن ذلك لم يرضي حكومات الاتحاد الأوروبي نهائيا بل ودفعها لإصدار بيان مشترك قالت فيه إنها لن تقبل تغيير العقود الحالية التي تنص على أية عملات أخرى!

ورقة ضغط ستغير الكثير!

لم يمض وقت كثير حتى قطعت روسيا شحنات الغاز إلى العديد من الدول الأوروبية -على سبيل المثال بولندا وبلغاريا وهولندا وفنلندا– متذرعة بعدم امتثال هذه الدول لمدفوعات الروبل، لكن الجدير بالذكر أنها لم تقطع كبار عملاء الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا وإيطاليا من الغاز الروسي حينها، بل لعلها أعطتهم إشارة للاستعداد لخفض مفاجئ للإمدادات.

إثر ذلك صرح الاتحاد الأوروبي إنه سيخفض واردات الغاز من روسيا بمقدار الثلثين في غضون عام، لكنه لم يصل إلى حد الحظر التام بعد، للمساعدة في تحقيق هذا الهدف، وافقت الدول الأعضاء على خفض استخدام الغاز بنسبة 15٪ خلال الأشهر السبعة المقبلة مع بقاء قلق كبير حول المكان الذي سيجد فيه الاتحاد الأوروبي بدائل الإمدادات.

الغاز الروسي بالعملة الروسية حصراً!

لا مجال أمام الاتحاد الأوروبي إلا أن يخفف من موقفه بشأن قيود تجارة الغاز والانصياع في النهاية للمطالب الروسية والدفع بالروبل للمحافظة على استقرار الإمدادات التي سجلت العام الماضي 40% من الغاز الطبيعي الروسي لصالح الاتحاد الأوروبي، و كان لألمانيا-أضخم اقتصاد في أوروبا-حصة الأسد كأكبر مستورد للغاز في 2020، تلتها إيطاليا، أما الولايات المتحدة فلا تستورد أي غاز من روسيا، واقتصر استيراد المملكة المتحدة للغاز الروسي على 4٪ فقط من احتياجاتها التي تتأثر عندما تقيد روسيا الإمدادات إلى أوروبا القارية، حيث تسبب ذلك في ارتفاع أسعار الغاز العالمية بالتوازي مع تضاعف أسعار الغاز في المملكة المتحدة خلال العام الماضي.

الاتحاد الأوروبي يلوح بفرض العقوبات!

خلال العام الماضي كسبت روسيا من صادرات النفط والغاز إلى أوروبا ما يقدر بنحو 400 مليار يورو (430 مليار دولار، 341 مليار جنيه إسترليني)، وعليه فإن فرض العقوبات على روسيا “سيقطع مصدرًا ضخمًا لتمويل آلة الحرب الروسية” هذا ما قاله رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل، ولهذا تبنى الاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات في نيسان الماضي كمحاولة لتقليص السطوة الروسية في حربها مع أوكرانيا وكردٍ على جرائم حرب مزعومة ارتكبتها روسيا في أوكرانيا، ومن المقرر أن يصبح الحظر الكامل ساريًا اعتبارًا من 10 آب، وأوضح الاتحاد الأوروبي إن عقوباته الأخيرة قد تخفض كمية النفط التي يشتريها من روسيا بنسبة 90٪ ولو استغرق هذا الإجراء عدة أشهر حتى يصبح ساريًا بالكامل.

العجوز الأوروبية تحاول تتقيد الدب الروسي!

سيتم حظر النفط الروسي المنقول بحراً بحلول نهاية العام، مع إعفاء مؤقت لنفط خطوط الأنابيب، حيث يصل ثلثا النفط الروسي عن طريق البحر وستؤدي تعهدات بولندا وألمانيا بوقف استيراد النفط عبر خطوط الأنابيب إلى زيادة تغطية الحظر إلى 90٪ من الواردات الروسية.

سيتم قطع Sberbank وهو أكبر بنك في روسيا عن نظام Swift للدفع، والذي يسمح بالتحويل السريع للأموال عبر الحدود، إضافة لحظر ثلاث محطات إذاعية روسية أخرى مملوكة للدولة.

قضى أعضاء الاتحاد الأوروبي ساعات يكافحون لحل خلافاتهم بشأن الحظر المفروض على واردات النفط الروسية، ومما لا شك فيه أن الكرملين مدرك لاختلافات الرأي داخل الاتحاد الأوروبي حول ما يجب فعله حيال روسيا والمؤكد أنه سيحاول استغلالها.

إجراءات فورية وحلول سريعة الاشتعال!

تعهدت بولندا وألمانيا بإنهاء واردات خطوط الأنابيب، مما يعني أنه سيتم حظر 90 ٪ من النفط الروسي، حيث تتطلع ألمانيا على وجه التحديد إلى استيراد الغاز من قطر وشراء الغاز من دول أوروبية أخرى، وقد تقوم أيضا ببناء محطتين من محطات الغاز الطبيعي الخاصة بها محليًا.

أما إيطاليا فتدرس إمكانية زيادة إمدادات الغاز من الجزائر التي لديها خطوط أنابيب إلى إسبانيا وإيطاليا إضافة لامتلاكها محطة غاز كبيرة بالإمكان الاعتماد عليها بنسبة لا بأس بها في ظل هذه الظروف.

كل ما سبق تزامن مع إطلاق حملات تهدف إلى تقليل الاعتماد على الواردات الروسية وتسريع الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة وتحالف المجتمع المدني لتشجيع المواطنين على توفير الطاقة.

لكن هل ينقلب السحر على الساحر؟!

بعد أن خفّض الاتحاد الأوروبي الواردات الروسية، قد تضطر الدول الأوروبية إلى تحويل المزيد من سفن الغاز الطبيعي القادمة من الولايات المتحدة إليها، ويقول الخبراء إنه لا يوجد ما يكفي من الغاز الطبيعي لتلبية جميع احتياجات الطاقة في أوروبا وفي الولايات المتحدة يحاولون شراء الغاز الطبيعي غير الروسي من أجزاء أخرى من العالم لسد الفراغ ومواكبة الطلب.

كل ما سبق يوضح اعتماد موسكو بشدة على صادراتها من الطاقة، ويأمل الاتحاد الأوروبي أن العقوبات التي اتخذها ستخفض أكثر من 90٪ من صادرات النفط الروسية مما يؤدي لتقليص وانهيار العائدات التي تتلقاها روسيا، فهل هذا ما سيحدث فعلا؟ يقول ديفيد فايف، كبير الاقتصاديين في شركة بيانات الطاقة أرغوس ميديا: “نتيجة لجميع العقوبات المعلنة حتى الآن، قد تخسر روسيا ما بين ثلث ونصف إجمالي عائداتها النفطية، لكن بالتأكيد ليس جميعها” وأردف قائلا: “قد تشتري البلدان في آسيا ما يصل إلى مليون برميل يوميًا من النفط الخام من روسيا، أي أكثر مما تحصل عليه الآن” أي أنه بعد كل ذلك سيبقى للدب الروسي سوقه وسيبقى قادراً على بيع منتجاته في أي مكان آخر حول العالم.

هل ترى أي فرصة للتداول؟ قم بفتح حسابا للتداول الآن!

 

هل ترى أي فرصة للتداول؟

افتح حسابك الآن

تابعونا عبر السوشال ميديا

أحدث المقالات

  • نموذج الراية
  • الإدارة-المالية
  • الاستهلاك
  • القيمة السوقية