العودة للخلف

ما هو الفرق بين السياسة النقدية والسياسة المالية؟

تمتلك الدول والحكومات وسائل وأدوات عديدة لضبط الاقتصاد والحفاظ على توازنه، ومن خلالها تحدد الخطوط العريضة لسياستها المالية والنقدية.

تسعى الدول دوماً إلى ضبط اقتصاداتها بوضعٍ متوازن، من خلال وضع مستوى مستهدف للتضخم والنموّ الاقتصادي، ومحاولة خفض معدلات البطالة وتحقيق استقرار الأسعار قدر الإمكان، وفي سبيل تحقيق ذلك تشترك جهتان في التأثير على الاقتصاد واتجاهاته، وهما البنوك المركزية من جهة، والحكومة والسلطة التنفيذية من جهةٍ أخرى، وفي حين تكون البنوك المركزية هيئات مستقلة وبمنأى عن تأثيرات الحكومة والسلطة التنفيذية في بعض الأحيان، إلا أنهما كثيراً ما تتفقان من خلف الكواليس على خطط وقرارات لتحقيق التأثير المستهدف بالشكل الأمثل.

ما المقصود بالسياسة النقدية والسياسة المالية؟ وما الفرق بينهما؟

السياسة النقدية:

تُمثّل السياسة النقدية أداة البنوك المركزية للتحكّم بالاقتصاد والتعامل مع التضخم المفرط أو الانكماش من خلال ضبط السيولة المالية في الأسواق عبر ثلاثة أدوات أساسية، أولها وأكثرها استخداماً هو التحكّم بمعدلات الفائدة، فعند ارتفاع مستويات التضخّم وتسارع النموّ الاقتصادي فوق المعدّلات المستهدفة تلجأ البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة، مما يعني أن القروض ستُصبح أكثر كلفة، وبالتالي سيتوقف المستثمرون عن سحب القروض والإنفاق، وبالتالي سيتراجع النموّ الاقتصادي وينخفض التضخّم، ويُطلق على هذه السياسة اسم “سياسة التشديد النقدي” أو “Tight Monetary Policy“، والعكس صحيح أيضاً في حالات تباطؤ النمو الاقتصادي، حيث تلجأ البنوك المركزية إلى خفض أسعار الفائدة وتحفيز الاقتراض والاستثمار بهدف تنشيط الاقتصاد.

أما ثاني أدوات السياسة النقدية التي تستخدمها البنوك المركزية فتتمثل في التحكّم بمستويات الاحتياطي النقدي الإلزامي الذي يتوجب على البنوك التجارية الاحتفاظ به في خزائنها أو أرصدتها لدى البنك المركزي، فزيادة هذا الاحتياطي يعني بالضرورة تقليل السيولة المالية في الأسواق وكبح التضخّم.

اقرأ أيضاً: 10 نصائح للمبتدئين في عالم الاستثمار

وأخيراً، تستخدم البنوك المركزية أداة ثالثة للتحكّم بالسياسة النقديّة، وهي عمليات السوق المفتوحة، ويُقصد بها قيام البنك المركزي بشراء أو بيع بعض الأصول المالية، مثل السندات الحكومية أو أذونات الخزينة، وذلك بهدف ضخ أو تجفيف السيولة في الأسواق.

سياسة التيسير الكمّي (QE): هي شكل غير تقليديّ من السياسة النقدية، وتعني ببساطة شديدة قيام البنوك المركزية بشراء الأصول من المؤسسات المالية الأخرى مثل البنوك، ضمن عمليات السوق المفتوحة سابقة الذكر، بهدف ضخ المزيد من السيولة النقدية في البنوك وتشجيع الاقتراض وتقليل معدّلات الفائدة، وكل ذلك بهدف تنشيط الاقتصاد وإنقاذه من الانكماش، ولا سيما عندما تكون معدلّات الفائدة منخفضة بالأصل أو قريبة من الصفر ولا يمكن خفضها أكثر من ذلك.

السياسة المالية:

من ناحية أخرى، تمثل السياسة المالية الأداة الخاصة بالسلطة السياسية والتنفيذية، أي الحكومة ممثلة بوزارة المالية وبموافقة البرلمان، وتعتمد بشكلٍ أساسي على التحكم بالإنفاق الحكومي والإيرادات المالية، وعلى رأسها الضرائب، فعندما ترغب حكومة ما بتحفيز وتنشيط اقتصاد البلاد يمكنها اللجوء إلى خفض الضرائب وزيادة الإنفاق الحكومي على المشروعات القومية وتوفير الوظائف مما يؤدي بالنتيجة إلى تنشيط الاقتصاد، كما يمكنها القيام بالعكس، أي زيادة جباية الضرائب وخفض الإنفاق الحكومي عندما ترغب بكبح جماح الاقتصاد وتخفيف التضخّم الناتج عنه.

ما هي مزايا ومساوئ كلّ من السياسة النقدية والسياسة المالية؟

تتميز السياسة النقدية الخاضعة لقرارات البنوك المركزية بسهولة وسرعة تنفيذها، فأسعار الفائدة يمكن تغييرها على أساسٍ شهريّ، بل ربما تبدأ بعض التأثيرات الإيجابية بالظهور في السوق بمجرّد الإعلان عن نيّة البنك المركزي بتعديل أسعار الفائدة، بالإضافة إلى ذلك تتميز السياسة النقدية بكونها محايدة ومستقلة سياسياً وتأثيراتها على الرأي العام غير مباشرة مما يسمح باتخاذ هذه الإجراءات حتى في أوقات الانتخابات أو الأزمات السياسية.

أما مساوئ السياسة النقدية فتتمثل في كون تأثيرات هذه السياسة على الاقتصاد الحقيقي تستغرق وقتاً طويلاً حتى تبدأ بالتبلور على الرغم من سرعة تأثيراتها على السيولة النقدية المُتداولة، كما يعتقد بعض الخبراء أن السياسة النقدية تنجح فقط في أوقات التضخّم والنموّ الاقتصادي المُتسارع وليس في أوقات الانكماش نتيجة الهامش المحدود لخفض أسعار الفائدة، ولا سيما إذا كانت منخفضة بالأساس، وأخيراً تُنتقد أدوات السياسة النقدية في كونها عاجزة عن معالجة مشاكل مناطق محددة، بل تمتدّ تأثيراتها لتشمل جميع أنحاء البلاد بغض النظر عن اختلاف احتياجاتها وظروفها.

على صعيدٍ آخر، فتتلخص مزايا السياسة المالية في إمكانية توجيه أدواتها نحو قطاع أو منطقة جغرافية معيّنة، مثل افتتاح مشاريع في صناعة محددة أو تنشيط اقتصاد منطقة ما في البلاد تعاني من البطالة أو الركود، أو على العكس، يمكن فرض المزيد من الضرائب على صناعات محددة لا ترغب الحكومة بتشجيعها، مثل الصناعات الملوّثة للبيئة، وأخيراً تتميز أدوات السياسة المالية بسرعة ظهور نتائجها على الاقتصاد الحقيقي مقارنة مع السياسة النقدية من خلال التأثير المباشر على معدلات البطالة أو دخل الأسر أو الضرائب.

اقرأ أيضاً: ما هي طلبات إعانة البطالة الأمريكية؟ وما علاقتها بسوق الأسهم؟

وعند الحديث عن مساوئ السياسة المالية وأدواتها، فلا بدّ من الإشارة إلى تأثيراتها السلبية والخطيرة أحياناً على الرأي العام والمزاج الشعبي، والتي يمكن أن تؤدي أحياناً إلى اضطرابات سياسية واحتجاجات عارمة، ولا سيما عند اللجوء إلى فرض المزيد من الضرائب، بالإضافة إلى إمكانية تفاقم عجز الموازنة عند زيادة الإنفاق بما يفوق الإيرادات، أو إلى تضرر الاقتصاد الوطني عند زيادة الإنفاق الحكومي على الاستيراد من الخارج، كما تتطلب إجراءات السياسة المالية وقتاً أطول للتخطيط لها وإقرارها والحصول على موافقة البرلمان أحياناً.

إذاً، تهدف كل من السياسة النقدية والسياسة المالية إلى التحكم بالاقتصاد الكلّي (Macroeconomic) ووتيرة نموّه وضبط مستويات التضخّم عند الحدود المطلوبة والمخطط لها، إلا أن السياسة النقدية هي أداة البنوك المركزية، في حين أن السياسة المالية هي أداة الحكومات والسلطات السياسية، مع الإشارة إلى أن القرارات المتعلقة بالسياسة المالية تكون أكثر تأثيراً على نحوٍ مباشر على الحياة اليومية للأفراد من خلال التحكّم بالضرائب أو الإنفاق الحكومي، في حين تظهر تأثيرات السياسة النقدية بشكلٍ غير مباشر، ولهذا السبب تُستخدم السياسة المالية في بعض الأحيان لأغراض سياسية مثل التأثير على الرأي العام في مرحلة الانتخابات.

 

هل ترى أي فرصة للتداول؟

افتح حسابك الآن

تابعونا عبر السوشال ميديا

أحدث المقالات

  • قائمة المركز المالي
  • سهم شمس
  • سهم-الإنماء
  • سهم مرافق