العودة للخلف

الزعامة التكنولوجية.. فتنة الحرب القادمة!

الزعامة التكنولوجيّة...فتنة الحرب القادمة!

معقل التكنولوجيا الوحيد، موجود في تايوان!

الزعامة التكنولوجية لمن؟ حيث يستقطب قطاع الإلكترونيات في تايوان الحصة الأكبر من الاستثمار حيث يتم تشغيل الكثير من المعدات الإلكترونية اليومية في العالم – من الهواتف إلى أجهزة الكمبيوتر المحمولة والساعات ووحدات التحكم في الألعاب – بشرائح كمبيوترية مصنوعة في تايوان.

شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات (Taiwan Semiconductor Manufacturing Company ) تعد أكبر شركة لتصنيع الرقائق في العالم، تأسست في عام 1987 ومقرها في Hsinchu Science Park في تايوان وتعتبر مورد حيوي للولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، ووفقًا لأحد المقاييس إن هذه الشركة تمتلك وحدها أكثر من نصف السوق العالمية، وهي صناعة ضخمة بلغت قيمتها حوالي 100 مليار دولار (73 مليار جنيه إسترليني) في عام 2021، وهي مدرجة في بورصة تايوان (TWSE) تحت شريط رقم 2330، ويتم تداول أسهم الإيداع الأمريكية (ADS) في بورصة نيويورك للأوراق المالية (NYSE) تحت رمز TSM.

وتعتبر TSMC أكبر شركة مدرجة في آسيا بقيمة 600 مليار دولار، ويعتمد جزء كبير من سلسلة التوريد العالمية لأشباه الموصلات على تايوان، ويُظهر الفحص الدقيق لمشاريع الاستثمار الأجنبي التأسيسية في تايوان أن قطاع الإلكترونيات اجتذب حصة الأسد من الاستثمار الداخلي بين عامي 2019 ~ 2020 وأكدت كابيتال إيكونوميكس على ذلك بقولها: “إن تقنية TSMC متطورة للغاية حيث تصنع الآن حوالي 92٪ من أكثر الرقائق تطوراً في العالم”.

الولايات المتحدة تناهض سياسة القطب التكنولوجي الواحد!

قال أحد المسؤولين في TSMC إن: “نجاح الشركة يأتي من كونها في المكان المناسب في الوقت المناسب مع نموذج العمل المناسب، إضافة لإن حكومة تايوان لعبت دورًا حاسمًا في تأسيس الاستثمار لكن الشركة لا تتلقى دعمًا لبناء المنشآت”.

هذا ما عزز محاولات الولايات المتحدة لجذب TSMC إليها لزيادة قدرة إنتاج الرقائق المحلية، وفي عام 2021 وبدعم من إدارة بايدن اشترت الشركة موقعًا في ولاية أريزونا لبناء مسبك أمريكي عليه وأعلنت شركة TSMC في أيار عن عزمها بناء وتشغيل مصنع متطور لأشباه الموصلات في الولايات المتحدة لدعم العملاء والشركاء هناك بشكل أفضل بالإضافة إلى جذب المواهب العالمية، وستستخدم هذه المنشأة التي سيتم بناؤها في ولاية أريزونا تقنية TSMC البالغة 5 نانومتر لتصنيع رقاقة أشباه الموصلات وستبلغ طاقتها الإنتاجية 20000 رقاقة من أشباه الموصلات شهريًا، ومن المقرر أن يبدأ الإنتاج في عام 2024، مما يعني أن TSMC وعملاء آخرين قد يضطرون مستقبلا إلى الاختيار بين ممارسة الأعمال التجارية في الصين أو الولايات المتحدة.

نستطيع القول أن هذا يعتبر جزءا من “حرب تكنولوجية” واسعة النطاق بين الولايات المتحدة والصين، حيث تهدف الولايات المتحدة إلى تقييد التطور التكنولوجي للصين ومنعها من ممارسة دور قيادي عالمي في مجال التصنيع.

تاريخ طويل بين الصين وتايوان:

في عام 1895، انتصرت اليابان في الحرب الصينية اليابانية الأولى، واضطرت الحكومة الصينية حينها إلى التنازل عن تايوان لليابان، وبعد الحرب العالمية الثانية استسلمت اليابان وتخلت عن السيطرة على الأراضي التي أخذتها من الصين. بدأت جمهورية الصين – أحد المنتصرين في الحرب – في حكم تايوان بموافقة حلفائها آنذاك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

ثم في عام 1971، حولت الأمم المتحدة الاعتراف الدبلوماسي إلى بكين وتم إجبار حكومة جمهورية الصين على الانسحاب من تايوان، وفي عام 1978 أدركت الصين أهمية العلاقات مع التجارية وبدأت في فتح اقتصادها إدراكًا منها للفرص التجارية والاستثمارية والحاجة الدبلوماسية إلى تطوير العلاقات.

بدأت العلاقات في التحسن في الثمانينيات حيث خففت تايوان من القواعد الخاصة بالزيارات والاستثمار في الصين وفي عام 1991، تم الإعلان عن انتهاء الحرب مع جمهورية الصين الشعبية.

لكن سرعان ما اقترحت الصين ما يسمى بخيار “دولة واحدة ونظامان”، والذي قالت إنه سيسمح لتايوان بحكم ذاتي كبير إذا وافقت على الخضوع لسيطرة بكين. لكن تايوان رفضت العرض وأصرت بكين على أن حكومة جمهورية الصين التايوانية غير شرعية لكن ممثلين غير رسميين من الصين وتايوان واظبوا على إجراء محادثات محدودة في هذا الشأن.

الجزيرة التايوانية بين الأصل الصيني والاغراءات الأميركية:

تسعى الصين لتحقيق إعادة التوحيد وضم تايوان إليها بشتى الوسائل سواء تعزيز العلاقات الاقتصادية أو ممارسة الضغوط الدبلوماسية على الدول الأخرى لعدم الاعتراف بتايوان، وكل ذلك في محاولة لتجنب أي مواجهة عسكرية، لإن القوات المسلحة الصينية حتما ستتفوق على تلك الموجودة في تايوان، فالصين تنفق أكثر من أي دولة – باستثناء الولايات المتحدة – على الدفاع ويمكنها الاعتماد على مجموعة كبيرة من القدرات، من القوة البحرية إلى تكنولوجيا الصواريخ والطائرات والهجمات الإلكترونية.

أما الولايات المتحدة فقد اتبعت على مدى عقود سياسة الغموض الاستراتيجي للحفاظ على توازن دقيق بين دعم تايوان من جهة ومنع نشوب حرب مع الصين من جهة أخرى. لكن يبدو أن الرئيس جو بايدن رافض لهذه السياسة، حيث صرح عدة مرات أن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان إذا قامت الصين بمهاجمتها. لكن مسؤولو البيت الأبيض لم يوافقوه الرأي وتراجعوا عن تعليقاته قائلين إن السياسة لم تتغير، لكن في النهاية على الرئيس أن يقرر كيفية الرد.

هذه الصراعات منحت القادة التايوانيين القدرة على تسمية صناعة الرقائق المحلية في بلادهم ب “درع السيليكون” التايواني الذي ينأى بهم بعيدا عن تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين اللذين يعتبران من أهم أسواق تايوان.

لكن مع تزايد هيمنة TSMC أصبح من الصعب الحفاظ على دورها كطرف محايد في الصناعة التكنولوجية العالمية.

سيطرة اقتصادية تحت عنوان شراكة اقتصادية!

لا يزال اقتصاد تايوان يعتمد على التجارة مع الصين، التي تعد الشريك التجاري الأكبر للجزيرة رغم العلاقات الاقتصادية المضطربة في السنوات الأخيرة التي نشأت بسبب ضغوط بكين على الجزيرة وقلق المسؤولين التايوانيين المتزايد بشأن اعتمادها المفرط على التجارة مع الصين.

في عام 2021، بلغت صادرات تايوان إلى الصين أعلى مستوى لها على الإطلاق حيث كانت بكين قد ضغطت على الدول كي لا توقع اتفاقيات تجارة حرة مع تايوان، لكن مساعي الصين في ذلك لم تفلح مع الجميع، فقد وقعت مجموعة من الدول – كنيوزيلندا وسنغافورة اللتان تعتبران من الاقتصادات المتقدمة – على اتفاقيات التجارة الحرة مع الجزيرة وذلك ما دفع بكين لاستبعاد تايوان من التكتلات التجارية متعددة الأطراف.

إن الاستيلاء على تايوان سيمنح بكين السيطرة على خامس أكبر شريك تجاري لها، إضافة لوصولها لمصانع أشباه الموصلات ذات المستوى العالمي مما سيعتبر قيمة مضافة إلى قاعدتها الصناعية الكبيرة.

على الرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي المثير للإعجاب في تايوان البالغ 600 مليار دولار سوف يقع تحت سيطرة جمهورية الصين الشعبية إلا أن كيفية كسب بكين للجزيرة سيحدد الكثير من التعاملات بينهما، فسياسة المصالح المتبادلة ربما تكون أفضل من الصراع الاقتصادي أو العسكري الذي من الممكن أن يؤدي إلى تقليص التجارة تمامًا.

أشباه الموصلات تتسبب بأشباه معارك!

أدت زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى الجزيرة في عام 2022 إلى توتر غير متوقع بين البلدين، وهذا ما كانت الولايات المتحدة تحاول تجنبه إذ طالما سعت للحفاظ على السلام والاستقرار في مضيق تايوان، وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد سبق وناشدت بكين وتايبيه للحفاظ على الوضع الراهن، وأوضحت إنها لا تدعم استقلال تايوان.

من ناحية أخرى يخشى بعض المحللين أن تخوض الولايات المتحدة والصين حربًا بشأن الزعامة التكنولوجية ويجادل بعض الخبراء بأن اعتماد الولايات المتحدة على شركات الرقائق التايوانية يزيد من دافعها لحماية تايوان من أي هجوم صيني متوقع. خصوصا أن اعتماد الولايات المتحدة على الرقائق التايوانية أكبر من اعتماد الصين عليها وهذا ما دفع الرئيس الأميركي بايدن لتعزيز صناعة الرقائق الأمريكية حيث أقر الكونجرس مشروع قانون ضخم بقيمة 280 مليار دولار للقيام بذلك، إضافة لمحاولة واشنطن ثني شركة TSMC عن البيع للشركات الصينية.

رغم قلق المستثمرين الأجانب من التوترات السياسية عبر مضيق تايوان، فقد كان لتوترات الزعامة التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين نفعها على الجزيرة التايوانية، إذ عاد عدد من الشركات التايوانية والأجنبية التي كان مقرها سابقًا في الصين القارية إلى تايوان. مما جعل تايوان مستفيدًا غير متوقع من التوترات بين الولايات المتحدة والصين ووباء كوفيد -19، وعزز صورتها وأوضح قدرتها على النمو العالي المرونة.

من سيدفع الضرائب الباهظة لهذا النجاح الاقتصادي العالمي!

برزت TSMC على مدى السنوات العديدة الماضية كأهم شركة لأشباه الموصلات في العالم، مع تأثير هائل على الاقتصاد العالمي ورسملة سوقية تبلغ حوالي 550 مليار دولار مع احتلال المرتبة 11 في العالم من حيث القيمة إضافة لتسجيلها أرباحًا بلغت 17.6 مليار دولار العام الماضي وعائدات بلغت حوالي 45.5 مليار دولار.

بنيت هذه الزعامة التكنولوجية لتايوان على مبدأ اقتصاد السوق الحرة وفي هذا يقول ألفريد تساي، مدير الحكومة والشؤون العامة في غرفة التجارة الأمريكية في تايبيه: “تعمل تايوان كدولة ذات سيادة على الرغم من الاعتراف الدبلوماسي المحدود بها” وأضاف أن: “الموقع الاستراتيجي لتايوان وبيئة الشفافية والديمقراطية نسبيًا تعني أن الشركات الأجنبية قادرة على التمتع ببيئة تنظيمية وتجارية لسوق حرة مماثلة لما هو موجود في الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة.”

اقرأ ايضاً: الاضطرابات في الصين والقلق لسهم آبل!

ما سبق يفسر القلق الأكبر لواشنطن من الزعامة التكنولوجية لبكين على تايوان في صناعة أشباه الموصلات، فبالنسبة للولايات المتحدة من غير المعقول أن يكون TSMC يومًا ما في منطقة تسيطر عليها بكين وهذا يعني أن هدف الصين بعيد المدى لإعادة التوحيد مع تايوان أصبح الآن أكثر تهديدًا لمصالح الولايات المتحدة.

هل ترى أي فرصة للتداول؟

افتح حسابك الآن

تابعونا عبر السوشال ميديا

أحدث المقالات

  • قائمة المركز المالي
  • سهم شمس
  • سهم-الإنماء
  • سهم مرافق